Yasser Khalil

مدونة تضم بعض اعمال الباحث والصحافي المصري ياسر خليل.

2007-08-15

متطرفو العلمانية يحبطون مشروعها
مد إسلامي وانحسار علماني.. ملامح المشهد الحالي
ياسر خليل
الناشر موقع الأمة اون لاين - 15-8-2007 - من فضلك اضغط هنا لمشاهدة المقال الأصلي

مد إسلامي، وانحسار علماني، هذا هو المشهد الحالي في الكثير من البلدان الإسلامية، بعد عقود من الصراع بين التيارين الإسلامي والعلماني. وكانت آخر لقطات هذا المشهد هو الفوز الكبير لـ"حزب العدالة والتنمية" ذي التوجه الإسلامي، في الانتخابات البرلمانية التركية قبل أيام.
ومن بين أهم أسباب هذا الانحسار، التطرف والتصلب اللذان اتسمت بهما مواقف نسبة كبيرة من دعاة وحماة العلمانية في العالم الإسلامي، في مواجهة الدين وعلمائه ودعاته، ويرجع أيضا إلى مواصلة العلمانية تداخلها التاريخي مع الإلحاد، وازدراء الأديان والمقدسات في أوروبا بدعوى الحرية.
ومن المفارقات المثيرة، أن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول، كان قد أعرب بعد غزو العراق عام 2003م، عن أن النموذج التركي، هو النموذج الذي يتمنى تطبيقه في العراق، ومن بعده أعرب بعض المسئولين الأمريكيين عن ذات الأمل، ورأوه نموذجًا جيدًا يُمكن تطبيقه في بلدان العالم الإسلامي.
وكان هذا النموذج في الواقع، يزداد بعدًا عن طموحات المواطنين بالبلدان الإسلامية، ففي تركيا طُبقت العلمانية بتطرف يفوق الكثير من بلدان الغرب، وهو ما يدفع بصورة متزايدة لتآكل شعبيتها، ويجعل منها نموذجًا سيئًا لا يتمناه المسلمون لأنفسهم، خاصة وأن أغلبهم يُعانون من أنظمة علمانية جزئية، أخفقت في تحقيق أي انجاز دنيوي أو أُخروي.
ويحاول البعض (خاصة العلمانيين) تصوير صعود الإسلام عقائديًّا وسياسيًّا، على أنه نتيجة للإحباط والأزمات الاقتصادية التي يعيشها المواطنون في البلدان المسلمة، وما يدحض هذا القول، هو أن نسبة ضخمة من العائدين إلى التدين هم من أبناء الأثرياء والطبقة الوسطى (إضافة إلى الطبقات الفقيرة بلا شك)، كما أنهم ينتمون في غالبيتهم إلى مستويات تعليمية ومهنية عالية، وهذه الطبقات المقتدرة ماليًّا وعلميًّا هي التي تدعم العمل الإسلامي ماديًّا وعمليًّا.
تهاوي العلمانية
وبالممارسة العملية، فقدت العلمانية جاذبيتها والميزات التي كانت تتباهي بها وتدَّعيها لنفسها، وهي: الحياد، وحمايتها لحرية الاعتقاد والعبادة، ومرونة الفكر البشري القابل للتغيير والتطور، وأضحت الأفكار الوضعية للعلمانيين ومصالحهم الشخصية والسياسية أكثر "قدسية" عندهم من النصوص الدينية، وسُخِّرَت القدرات العسكرية والسياسية والمخابراتية للدول لحماية "مقدساتهم" هذه حتى في مواجهة خيارات الشعوب.
واضحي للعلمانية رهبان أكثر تشددًا وأصولية من رجال الدين المسيحي الكاثوليك في القرون الوسطي، الذين أدى تأثيرهم على شئون الحكم، وإذلالهم لبعض الملوك والحكام في أوروبا، ودعمهم للإقطاعيين، ومعاداتهم للعلوم، إلى تبني العلمانية، للفصل بين السياسة والدين، لكن الأمر تطور، وتدخل الساسة العلمانيون في كل شيء، حتى في شئون الأديان الأخرى، (بما فيها الإسلام الذي لا علاقة له بأخطاء قساوسة الكاثوليك)، ولم يسمح الساسة بتدخل الأديان في شئون الدولة إلا في الحدود التي تدعم مصالحهم.
وفيما لا زال العالم الغربي يثير الجدل حول مدي تقبل الكاثوليكية - وكذلك الإسلام- للديمقراطية والحرية، لا ينظر أحد إلى تحجر العلمانية وتشددها، وأنها لم تعد تستطيع التعايش مع مبادئ الديمقراطية والحرية والتعددية الثقافية، وتجاوزها حدود الحياد إلى التعدي على المقدسات، مثلما حدث في الدنمرك إبَّان أزمة الرسوم المسيئة للرسول - صلي الله عليه وسلم- وفي أزمة الحجاب في فرنسا، وكذلك في أزمات أخلاقية أثارت جدل رجال الدين المسيحي في أنحاء مختلفة من العالم، ومنها الضغط على كنائس في أوروبا وأمريكا لقبول بعض القساوسة المثليين، وكذلك الإجهاض والاستنساخ.
قد يدفع البعض بان العلمانية لا علاقة لها بكل هذه الأزمات، ولكنها في واقع الأمر المحرِّك الرئيس لكل هذا، فبعد أن تم تحجيم الدين بفصله عن الدولة، عمل العلمانيون على تقطيع آخر حلقات الاتصال بين المواطن والكنيسة بشكل مبدئي، ثم الأديان الأخرى بشكل عام، حتى يتمكنوا من حجب أي تأثير لرجال الدين على الشعوب، وكان ذلك بالتحقير من شأن الدين ورجاله، بل السخرية من الأنبياء أيضًا.
وبعد أن أضعفت تلك الصلات فعليًّا، وفقد رجال الدين في بعض البلدان تأثيرهم على الشارع، وبالتالي تأثيرهم في اتخاذ القرارات العامة، كان من السهل التحكم بقرارات معظمهم، بما فيها ما يخص الشأن الديني.
العلمانية والعالم العربي
للفظ "العلمانية" سمعة بالغة السوء لدى غالبية المواطنين في العالم العربي، يدعمها تاريخ طويل من الأخطاء العلمانية، فهي في تصورهم المعول الذي يُضرب به لتدمير الإسلام، وأنها أداة لعزل الناس عن دينهم، ويرونها في كثير من الأحيان مرادفًا للإلحاد.
وفي مصر على سبيل المثال، كان هناك غضبة ضخمة العام الماضي حين وصف رئيس وزرائها الدكتور أحمد نظيف بلده بأنها دولة علمانية، ولم تهدأ فورة الغضب إلا بعد أن نفى مسئولون رسميون هذه الصفة عن الدولة، وحاولوا تبرير ما قاله رئيس الوزراء.
بعد هذه الحادثة بشهور (في العام الحالي)، صرح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بان النظام الحاكم يصر على فصل الدين عن السياسة، وجاء تعليقه ردًّا على لقاء بعض نواب "الإخوان المسلمون" في مجلس الشعب (البرلمان)، بوفد من أعضاء الكونجرس الأمريكي في القاهرة، ولم يحدث أي رد فعل رافض لما قاله الوزير.
وربما يكون تفسير هذا هو أن الناس هنا (في مصر) لا يرفضون فكرة فصل الدين عن السياسة، بمعني أن يتولى الشأن السياسي رجال محنكون في هذا المجال، الذي أصبح علمًا قائمًا بذاته، ويتطلب العمل به خبرة، ولكن الرفض يأتي حين يُغيَّب الدين تمامًا، ولا يُؤخذ به كمرجعية أساسية في شئون الحكم، والحياة.
وكانت الكبوة الكبرى التي لم يخرج منها العلمانيون إلى الآن هي معاملة الأديان كلها بنفس المنطق، وفي هذا الصدد يقول البروفيسور أميتاي إتزيوني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن، في مقال له نشر بدورية "هارفارد إنترناشيونال ريفيو" الأمريكية: "هذا أمر حاسم أن لا تتعامل مع المعتقدات والتعليم الديني وكأنهم قطع من ثياب واحد، مفكرو التنوير كانوا ولا زالوا يفعلون ذلك" ("Religion and the State" - Issue: Spring 2006).
التجربة العلمانية الحديثة التي تمتد لنحو قرنين من الزمان كشفت عن أن المشكلة لم تكن نابعة من طبيعة الأديان في حد ذاتها، ولكنها تكمن في تعصب الإنسان لرأيه، وسعيه المستمر لأخذ مساحات اكبر من الصلاحيات والسلطة على حساب الآخرين، وكان من الأرجح أن يعالج هذا الخلل البشري، بدلا من تحييد الدين الذي يُعَدُّ أهم مصدر للقيم والمبادئ الأخلاقية في العالم وعلى مر التاريخ.
ــــــــــ
* باحث ومحلل سياسي.

2007-08-09

اللوبي اليهودي: كيف يعمل ويؤثر في السياسة والمجتمع الأميركي؟

بقلم: ياسر خليل

شبكة واسعة من العلاقات والمصالح تضاعف من قدرات اللوبي اليهودي بشكل يفوق الاثر العددي لليهود في الولايات المتحدة.
ميدل ايست اونلاينمرر الكونغرس الأميركي قبل أيام قانونا يقيد من حركة جماعات الضغط بداخله، ووفقا لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" على موقعها الالكتروني (يوم 7 أغسطس 2007)، فان القانون الجديد يحظر على نوابه ومساعديهم قبول أي هدايا أو رحلات أو وجبات طعام من أعضاء جماعات الضغط. ويعاقب أي عضو منهم، بغرامة تصل الى 200 ألف دولار وعقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات.
وبذكر جماعات الضغط الأميركية لابد أننا تذكرنا على الفور اللوبي اليهودي، أشهر تلك الجماعات. وفي الواقع تبادر الى ذهني سؤال عند رؤية عنوان الخبر، وهو: هل يمكن أن يؤثر القانون الجديد على هذا التنظيم بالغ القوة والنفوذ؟
معظم الانجازات التي حقتها منظمة ايباك (AIPAC) والتي تعد ابرز منظمة يهودية أميركية، كانت مرتبطة بالكونغرس بمجلسيه النواب، والشيوخ، ولو كان القانون سيؤثر على مصالحها لتصدت له بكل قوة وأجهضته.
جدير بالذكر أن القانون لم يتم التصديق عليه من قبل الرئيس الأميركي جورج بوش بعد، ولم يكن معروفا ما إذا كان سيصادق عليه أم لا حتى كتابة هذه السطور.
كما ذكر تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الذي كتبه ديفيد كيركباتريك، أن هذا يعد أول حظر قوي على جماعات الضغط بهذا الشأن، لكنه أشار الى أن قانونا داخليا كان يمنع الحصول على هديا تتجاوز 50 دولارا، لكنه لم يطبق أبدا.
جذور عميقة
كانت أول مرة نسمع فيها عن تصور مختلف بشان كيفية عمل هذه التنظيم بالغ الإحكام، جاءت من خلال إجابة على سؤال طرحناه على صحافي أميركي مخضرم هو ادوارد كودي، المحرر البارز بصحيفة "واشنطن بوست"، خلال زيارتنا لمقر الجريدة عام 2002.
وصف كودي تصورنا في العالم العربي عن اللوبي الصهيوني بأنه تصور غير واقعي، وقال أن الحقيقة أن اليهود الأميركيين لا يملكون كل وسائل الإعلام في الولايات المتحدة، كما نتصور، فهناك الآلاف من الجرائد والمجلات وعشرات القنوات التليفزيونية، والآلاف من مواقع الانترنت. ومع هذا لم ينفي كودي قوة تأثير اللوبي على السياسة والإعلام الأميركي.
الصحافي الأميركي لم يشرح لنا بالتفصيل، أو يعطينا وقائع محددة، لكنه أعطانا جوهر الفكرة التي يبني عليها تحرك ذلك التنظيم.
ضرب لنا مثالا بان صحيفة محلية، تصدر في احدى الولايات الأميركية، تأثرت ونشرت بعض الموضوعات التي تنتقد السياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، فماذا تفعل جماعات الضغط الصهيونية للدفاع عن إسرائيل حينئذ؟
هم لهم شبكات واسعة جدا من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل الولايات المتحدة، ومن خلالها يبدأ فرض حصار غير مباشر أو مباشر على تلك الجريدة، حتى تتراجع عن موقفها. كيف؟
بالنسبة للإعلانات على سبيل المثال، يقومون بالاتصال برجال الأعمال اليهود، وأصدقاءهم، للتعرف على مدى علاقاتهم وتأثيرهم في الشركات المعلنة في هذه الصحيفة.
ويطلبون منهم الاتصال بتلك الشركات بشكل ودي لوقف إعلاناتهم في الجريدة، وبالطبع يشرحون لهم وجهة نظرهم فيما نشر، وغالبا ما تحدث استجابة، فإذا لم تحدث يتم تتبع العلاقات التجارية للشركة الرافضة، ويبدأ الضغط عليها من خلال الموردين أو العملاء ذوي الصلات القوية برجال الأعمال اليهود أو أصدقائهم.
يحدث الشيء نفسه بالنسبة للتأثير على التوزيع والاشتراكات في الجريدة، ولكن بتتبع العلاقات الاجتماعية لليهود في المناطق التي توزع فيها الجريدة نسخها، والتي يوجد بها مشتركون في الجريدة.
أذن جماعات الضغط اليهودية في أميركا لا تعتمد على عدد اليهود الذين يبلغ تعدادهم نحو 4 ملايين نسمة، وفي بعض التقديرات قرابة 1% من بين ما يناهز 300 مليون أميركي.
وايباك يبلغ أعضائها نحو 100 ألف عضو فقط، استطاعت تجميعهم على مدار قرابة نصف قرن من الزمان. وسنندهش حين نتذكر أن عدد اليهود في العالم كله يناهز 14 مليون نسمة فقط، منهم نحو 5 ملايين نسمة يعيشون في إسرائيل.
جماعات الضغط في أميركا
فكرة جماعات الضغط مسموح بها قانونيا في الولايات المتحدة، فمن حق كل مجموعة عرقية أو دينية أو غير ذلك أن تكون تجمعا للضغط على صانعي القرار من اجل تحقيق مصالحها.
الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة أدركت هذه الحقيقة، ولكن مؤخرا، فبدأت في تكوين منظمات لحماية مصالحة، وللضغط من اجل تعديل أو منع صدور بعض القوانين التي تضر بمصالح وحقوق جاليتها، التي أضحت جزء من المجتمع الأميركي، ومن ثم فان لهم حقوق المواطنة.
لا يمكن بأي حال مقارنة إمكانيات تلك التجمعات العربية باللوبي الصهيوني، فالقدرات المادية لمنظمة مثل ايباك وحدها، تقاس بنحو 60 مليون دولار سنويا (والبعض يقدرها بالمليارات)، فيما تعجز الجالية العربية والتي يبلغ تعدادها ضعف تعداد اليهود، عن جمع عدة آلاف أو ملايين من الدولارات.
لكن ذكاء ايباك يكمن في أنها تعلن دائما وبوضوح بأنها لا تتلقي دعم من إسرائيل، وأنها منظمة أميركية. وهذه في الواقع ملاحظة هامة يجب أن تدركها جماعات الضغط العربية والإسلامية الأميركية حتى لا تتهم بالعمالة، وحتى يكون نشاطها مؤثرا في المواطن وصانع القرار الأميركي.
أهداف محددة
تنظر قيادات اللوبي الصهيوني في أميركا الى أهدافها، مثلما ينظر الرامي من فتحة سلاحه الى الهدف، ويضغطون بلطف وهدوء على الزناد لتنطلق رصاصاتهم وتصيب الهدف بدقة. لا يهم ما إذا كان السلاح المستخدم جمهوري أو ديمقراطي الانتماء، لذا فهم يعملون بتواصل وعن قرب مع قادة اكبر حزبين سياسيين في شتي أرجاء الولايات المتحدة، على التوازي.
في الموقع الالكتروني لمنظمة ايباك على الانترنت يمكن أن تشاهد صور لقادة المنظمة اليهودية، مع ابرز قادة أميركا، فهم يلتقطون الصورة مع الرئيس جورج بوش، ونائبه، جمهوريي التوجه، فيما يصافحون هيلاري كلينتون المرشحة المقبلة للانتخابات الرئاسية، وكذلك نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، من الحزب الديمقراطي.
وتكون النتيجة، ما أعلنته المنظمة من "انجازات" (قياسا على مصالحها)، ومنها: إرسال خطاب موقع من 259 عضو بمجلس النواب إضافة 79 سناتور من مجلس الشيوخ، الى الاتحاد الأوربي يطالبونه بعدم الاعتراف أو التعامل مع الحكومة الفلسطينية - بقيادة حماس - الى أن توافق "المعايير الدولية".
أيضا من "الانجازات": تقوية التعاون المشترك بين أميركا وإسرائيل في مجال الأمن القومي. تأمين الدعم الأجنبي المالي لإسرائيل. وزيادة المساعدات العسكرية لها. وفي نفس الوقت زيادة الضغط الدولي ومنع أي دعم مالي لحكومة لحماس. مد فترة تقديم ضمانات القروض الأميركية لإسرائيل حتى عام 2001. وتخزين المعدات العسكرية في الدولة العبرية لاستخدمها في وقت الأزمات. توقيع اتفاق لتقديم الخدمات الصحية الإسرائيلية بالتعاون مع الصليب الأحمر. استمرار انتقاد إيران، وتجديد وتشديد العقوبات ضدها وضد ليبيا وسوريا. اعتبار تليفزيون المنار المملوك لحزب الله كيانا إرهابيا.
بمرور الوقت وتحقيق مثل تلك الأهداف التي ترمي في مصلحة إسرائيل، تتكون هالة من الرهبة حول اللوبي الصهيوني، وتتلي الأساطير عنه، وهو ما يزيد من تسهيل مهمة قادة تلك الجماعات بعد أن قوي نفوذهم عالميا.
فهل يمكن أن يؤثر القانون الجديد على نشاط اللوبي الصهيوني في إسرائيل؟ اشك في ذلك.
ياسر خليل
باحث وصحافي مصري

yasserof2003@yahoo.com