Yasser Khalil

مدونة تضم بعض اعمال الباحث والصحافي المصري ياسر خليل.

2007-06-25

نمو الإسلام في الاتجاه الصحيح


بقلم: ياسر خليل
كلما عادى الغرب توحد المسلمين وتوجس من لحمتهم، كلما اتاح فرصة اكبر لنشوء الجماعات المتطرفة التي تحمل تفسيرها الخاص للاسلام.
ميدل ايست اونلاين
في الأسابيع القليلة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001، شرعت في إعداد عرض لكتاب "الدفاع الوقائي" لمؤلفة ويليام بيري وزير الدفاع الأميركي الأسبق، ومساعده اشتون كارتر، لنشره في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية.
الكتاب يقع في 223 صفحة، وهو مملوء بالأفكار الثمينة، والتجارب المثيرة، وعلي الرغم من ذلك، وبعد أن مر أكثر من 5 سنوات، بقيت كلمات قليلة ولكنها بالغة الحكمة، كانت تتحدث عن بزوغ الصين، وكيفية تعامل الولايات المتحدة معها، وتقول: "وقد خلص بعض الأميركيين الى أن الصين متجهة نحو التنافس والنزاع مع الولايات المتحدة. ولكن النظرة القدرية قد تساعد على تحقيق تنبؤاتها. فإذا عوملت الصين على أنها خصم، فلا شك في أنها ستصبح خصما" (ص 102).
الإسلام يبزغ أيضا، لكن ملامح صعوده تختلف عن الصين، فهو ليس نموا اقتصاديا، ولا علميا، ولا عسكريا.
ملامح صعود الإسلام، في حقيقة الأمر، تكمن في نفوس أتباعه، وتتجلي في نزوع أعداد كبيرة منهم نحو الالتزام بتعاليم دينهم، وفي تفضيل أعداد غير قليلة منهم لأن تحكم الشريعة الإسلامية حياتهم.
وكذلك صعود الحركات الإسلامية المنخرطة في العمل السياسي، والتي يتنامي تأثيرها بوتيرة متسارعة، وهو ما دفع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) ، الى بدأ "برنامج التحليل الاستراتجي للإسلام السياسي (PISAP) في عام 2004، لدراسة تلك الحركات التي لم تحظ باهتمام مماثل من قبل.
لنعود مرة أخرى إلى ما جاء في كتاب "الدفاع الوقائي"، أليس من الحكمة أن تطبيق الولايات المتحدة ذات المفهوم مع دين صاعد؟ ولنكرر ما جاء في الكتاب بطريقة أخرى: "النظرة القدرية قد تساعد على تحقيق تنبؤاتها". فإذا عومل الدين الإسلامي على أنه خصم، فلا شك في أنه سيصبح خصما.
دعونا نتفق أولا على أن المعاملة هنا لا تتعلق بـ"النوايا الطيبة" لدى المتعامل (أميركا) ولكنها ترتبط بترك انطباع نفسي لدى الأشخاص الذين يتم التعامل معهم، سواء كانوا قادة وصناع قرار (كما في حالة الصين) أو علماء ودعاة وجمهور (كما في حالة الدين الإسلامي). إذن الانطباع الذي يترك في النفس نتيجة المعاملة هو المهم.
الرئيس الأميركي جورج بوش نفى في مناسبات عديدة أن تكون حربه ضد الإسلام. أظن انه كان يريد أن يتجنب ترك انطباع سيء عن تعامله مع الدين الإسلامي. لكن هل يستطيع الرئيس بوش أن يقنع أو حتى يجبر الناس على رؤية الأمور بعينه؟ هل يمكنه أن يجعلهم يفكرون بطريقته؟
أليست النسبة الغالبة من المسلمين تعتقد بان أميركا تتعامل مع المسلمين كخصوم، وان حربها ضد الإسلام وليست ضد الإرهاب؟ هل هناك شك في انه لو استمرت الإدارة الأميركية على هذا النحو فان الإسلام سيصبح خصما حقيقيا لبلادها؟ إذا كانت إجابتنا بنعم على كل هذه الأسئلة، فان هذا يعني شيئا واحدا، وهو أن الانطباع الذي ترك لدي المسلمين هو انطباع سيء، ويعني أننا نتجه الى مرحلة أكثر خطورة وخصومة.
تقطيع الجسد
كان الرسول محمد صلي الله عليه وسلم، يرى الأمة الإسلامية كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. هل هذا هو الحال الآن في ظل تواجد تيارات وجماعات (دينية) ذات توجهات متباينة الى حد يصل في - بعض الأحيان - الى مرحلة الخطر (الصراع والتناحر)؟ أليس تواجد تلك الجماعات يمثل تقطيعا للجسد الواحد؟ ألا يمثل ذلك مخالفة لرؤية النبي صلي الله عليه وسلم؟
مع تواجد قطاع عريض من جمهور المسلمين المعتدلين. فان تلك الجماعات تتباين في رؤاها، من "حزب التحرير" الذي يبيح القبلة ومشاهدة الصور الجنسية، الى بعض الجماعات التي كانت تحرم ثمرة الخيار لأنها تعطي "إيحاءات جنسية". ومن جماعة الإخوان التي ترى أن التغيير يأتي عبر صناديق الانتخاب، الى تنظيم القاعدة الذي يرى أفضل سبيل للتحول هو صناديق المتفجرات. معظم تلك الجماعات أن لم يكن جميعها تتفق على هدف واحد، وهو الرغبة في الوصول الى الحكم.
اعتقد أن الولايات المتحدة والغرب والعالم اجمع، لا يجب أن يتخوف من توحد المسلمين، أو من نمو الإسلام (إذا نمى صحيحا)، بل يجب أن يرتعد ويخشى من تقطيع الجسد الإسلامي على هذا النحو الذي يجعله ينمو بشكل مشوه.
ليست المشكلة في التوزيع الديموجرافي لما يناهز 1,3 مليار مسلم على نحو 120 بلدا في العالم كأغلبيات أو أقليات، هذا التفرق الجغرافي كان موجودا حين كان الإسلام في أوج قوته. والعودة الى توحيد الإسلام لا يتطلب عودة الفتوحات الإسلامية، وإقامة دولة الخلافة كما يرى البعض، فهذا إنما هو استجداء لعداء الآخرين وإشعال للحروب والصراعات دون مبرر.
فإذا كانت رؤية علماء ثقات مثل فضيلة الإمام محمد متولي الشعراوي تقول: "إن السيف لم يأت ليفرض العقيدة على الناس، إنما ليحمي الاختيار في النفس الإنسانية" (كتاب "السيرة النبوية"، ص 454). إذن نحن الآن لسنا بحاجة الى خوض حروب لحماية العقيدة وحق اختيار الإنسان لعقيدته، فهناك من المعاهدات والقوانين والمنظمات الحقوقية التي تدافع بقوة عن هذا الحق باعتبارها جزء من حقوق الانسان.
وإذا كان البعض يرى أن المسلم مكلف بنشر الدعوة، وان هذا يستلزم فتوحات جديدة، فانه بذلك يغض البصر عن حقيقة إن هناك عالما افتراضيا زالت منه العوائق والحدود، وأنه يستطيع إن يقدم ما لديه من دعوة عبر الانترنت، والفضائيات، ومن أراد إن يأخذها فليأخذها، ومن لم يقتنع فان الله سبحانه وتعالي منحه حرية الاختيار، ومن ثم فلا احد على كوكب الأرض من حقه أن يسلبها منه.
أميركا والجماعات
حين دعمت الولايات المتحدة الشيعة في العراق، غضب السنة، وحين دعمت القبائل السنية في حربهم ضد القاعدة مؤخرا غضب الشيعة. حين وصلت حركة حماس الى الحكم في فلسطين، وفاز الإخوان بـ 88 مقعدا في مجلس الشعب المصري، عبر الانتخابات الديمقراطية (التي تؤيدها واشنطن)، غضب تنظيم القاعدة وانتقدهم.
هناك خلافات تاريخية أيضا بين الإخوان واغلب الجماعات الإسلامية المصرية الأخرى ومن أبرزها الجماعة الإسلامية، وتنظيم الجهاد، خاصة فرعه المتحالف مع القاعدة بقيادة الدكتور أيمن الظواهري. وكذلك السلفيون، وتيارات دينية أخري ربما لا تأخذ شكل تنظيمات ولكنها تمثل فكرا يتنامي بين جيل جديد من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15-30 عاما حسبما لاحظت من خلال مناقشات متفرقة مع بعض هؤلاء الشباب.
دخول الأميركيين في محاورات مع الإخوان أو أي جماعة إسلامية أخرى وسط هذه الظروف الإقليمية، والاختلافات الفكرية بين تلك الجماعات، أظن انه أمر بالغ الخطورة، وربما يسهم في توسيع الفجوة فيما بينها، وقد يوفر وقودا لإشعال نار الفتنة والتعصب الديني (أن لم يكن في الوقت الراهن، فانه سيكون على المدى الطويل ممكنا.)
حياد العالم الغربي وفي مقدمته الولايات المتحدة في التعامل مع تلك الجماعات هو الحل الأرجح. من جهة أخرى فان ذوبان تلك الجماعات في مجتمعاتها يسهم بشكل اكبر في توحيد المجتمع المسلم. والذوبان الأكثر فاعلية والأنفع سيأتي من إرادة قادة تلك الجماعات ومفكروها وعناصرها بعد أن يقتنعوا بمحض إرادتهم بان يدخلوا في صفوف غالبية المسلمين.
ومن المتوقع أن بعض قادة تلك الجماعات سيرفضون عملية الذوبان، إما لأنهم مقتنعون بأنهم هم الوحيدون الذين على حق، وهؤلاء يمكن أن تتم مجادلتهم بالتي هي أحسن من قبل علماء ثقات. والبعض سيرفض لأنه سيفقد مكانته كأمير أو كزعيم في الجماعة، وهذا القائد يمكن أن نذكره بان بعض الذين رفضوا اعتناق الإسلام (دين الحق الذي يؤمن به) في بداياته الأولى، كانوا يخشون من أن تزول مكانتهم بين قومهم، و"ينزلوا" الى مصاف العامة والعبيد.
لاشك في أن نسبة ستبقى وترفض الانخراط في المجتمع، وستتعالى عليه، وهؤلاء يمكن إجهاض محاولتهم، بان يروا مجتمعا يفهم تعاليم دينه بشكل جيد، فقد نفذ التطرف الى المجتمع، حين جهل الناس دينهم وأضحوا تائهين بين مبادئ الغرب وتعاليم الإسلام، وأصبح من السهل أن تقنعهم بما ليس في دينهم. وحين يصبح المجتمع متفهما لأمور دينه، يكون من الصعب أن يتاجر احد بهذا الدين، فالشخص لا يمكنه بيع الزهور وسط أناس يملكون بساتين الزهور. ولكن يمكنه فقط أن يقدم فكره لاستغلال تلك الزهور بشكل نافع، وان يقدم حلولا عملية لحل المشكلات، ويمكن حينئذ أن يقرر الناس بصورة عقلية وليست عاطفية متعطشة للدين، من الذي يريدونه، ومن يستحق أن يحكم ويحقق مصالحهم.
هذا الحل وان رفضه البعض، أفضل بكثير من الصراعات والفتن التي يمكن أن تطفو على السطح، مع تنامي قوة الجماعات. في الواقع أن الإسلام بدأ ينمو ولن يستطيع احد أن يوقفه. لذا يجب أن يكون التفكير، منا جميعا، في كيف يمكن أن نجعله ينمو في الاتجاه الصحيح، الذي يضمن حقوق الأقليات، ويحافظ على العلاقات الجيدة مع العالم والدول المحيطة بالعالمين العربي والإسلامي.
ياسر خليل
باحث وصحافي مصري

Yasserof2003@yahoo.com