Yasser Khalil

مدونة تضم بعض اعمال الباحث والصحافي المصري ياسر خليل.

2007-08-09

اللوبي اليهودي: كيف يعمل ويؤثر في السياسة والمجتمع الأميركي؟

بقلم: ياسر خليل

شبكة واسعة من العلاقات والمصالح تضاعف من قدرات اللوبي اليهودي بشكل يفوق الاثر العددي لليهود في الولايات المتحدة.
ميدل ايست اونلاينمرر الكونغرس الأميركي قبل أيام قانونا يقيد من حركة جماعات الضغط بداخله، ووفقا لما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" على موقعها الالكتروني (يوم 7 أغسطس 2007)، فان القانون الجديد يحظر على نوابه ومساعديهم قبول أي هدايا أو رحلات أو وجبات طعام من أعضاء جماعات الضغط. ويعاقب أي عضو منهم، بغرامة تصل الى 200 ألف دولار وعقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات.
وبذكر جماعات الضغط الأميركية لابد أننا تذكرنا على الفور اللوبي اليهودي، أشهر تلك الجماعات. وفي الواقع تبادر الى ذهني سؤال عند رؤية عنوان الخبر، وهو: هل يمكن أن يؤثر القانون الجديد على هذا التنظيم بالغ القوة والنفوذ؟
معظم الانجازات التي حقتها منظمة ايباك (AIPAC) والتي تعد ابرز منظمة يهودية أميركية، كانت مرتبطة بالكونغرس بمجلسيه النواب، والشيوخ، ولو كان القانون سيؤثر على مصالحها لتصدت له بكل قوة وأجهضته.
جدير بالذكر أن القانون لم يتم التصديق عليه من قبل الرئيس الأميركي جورج بوش بعد، ولم يكن معروفا ما إذا كان سيصادق عليه أم لا حتى كتابة هذه السطور.
كما ذكر تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الذي كتبه ديفيد كيركباتريك، أن هذا يعد أول حظر قوي على جماعات الضغط بهذا الشأن، لكنه أشار الى أن قانونا داخليا كان يمنع الحصول على هديا تتجاوز 50 دولارا، لكنه لم يطبق أبدا.
جذور عميقة
كانت أول مرة نسمع فيها عن تصور مختلف بشان كيفية عمل هذه التنظيم بالغ الإحكام، جاءت من خلال إجابة على سؤال طرحناه على صحافي أميركي مخضرم هو ادوارد كودي، المحرر البارز بصحيفة "واشنطن بوست"، خلال زيارتنا لمقر الجريدة عام 2002.
وصف كودي تصورنا في العالم العربي عن اللوبي الصهيوني بأنه تصور غير واقعي، وقال أن الحقيقة أن اليهود الأميركيين لا يملكون كل وسائل الإعلام في الولايات المتحدة، كما نتصور، فهناك الآلاف من الجرائد والمجلات وعشرات القنوات التليفزيونية، والآلاف من مواقع الانترنت. ومع هذا لم ينفي كودي قوة تأثير اللوبي على السياسة والإعلام الأميركي.
الصحافي الأميركي لم يشرح لنا بالتفصيل، أو يعطينا وقائع محددة، لكنه أعطانا جوهر الفكرة التي يبني عليها تحرك ذلك التنظيم.
ضرب لنا مثالا بان صحيفة محلية، تصدر في احدى الولايات الأميركية، تأثرت ونشرت بعض الموضوعات التي تنتقد السياسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، فماذا تفعل جماعات الضغط الصهيونية للدفاع عن إسرائيل حينئذ؟
هم لهم شبكات واسعة جدا من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل الولايات المتحدة، ومن خلالها يبدأ فرض حصار غير مباشر أو مباشر على تلك الجريدة، حتى تتراجع عن موقفها. كيف؟
بالنسبة للإعلانات على سبيل المثال، يقومون بالاتصال برجال الأعمال اليهود، وأصدقاءهم، للتعرف على مدى علاقاتهم وتأثيرهم في الشركات المعلنة في هذه الصحيفة.
ويطلبون منهم الاتصال بتلك الشركات بشكل ودي لوقف إعلاناتهم في الجريدة، وبالطبع يشرحون لهم وجهة نظرهم فيما نشر، وغالبا ما تحدث استجابة، فإذا لم تحدث يتم تتبع العلاقات التجارية للشركة الرافضة، ويبدأ الضغط عليها من خلال الموردين أو العملاء ذوي الصلات القوية برجال الأعمال اليهود أو أصدقائهم.
يحدث الشيء نفسه بالنسبة للتأثير على التوزيع والاشتراكات في الجريدة، ولكن بتتبع العلاقات الاجتماعية لليهود في المناطق التي توزع فيها الجريدة نسخها، والتي يوجد بها مشتركون في الجريدة.
أذن جماعات الضغط اليهودية في أميركا لا تعتمد على عدد اليهود الذين يبلغ تعدادهم نحو 4 ملايين نسمة، وفي بعض التقديرات قرابة 1% من بين ما يناهز 300 مليون أميركي.
وايباك يبلغ أعضائها نحو 100 ألف عضو فقط، استطاعت تجميعهم على مدار قرابة نصف قرن من الزمان. وسنندهش حين نتذكر أن عدد اليهود في العالم كله يناهز 14 مليون نسمة فقط، منهم نحو 5 ملايين نسمة يعيشون في إسرائيل.
جماعات الضغط في أميركا
فكرة جماعات الضغط مسموح بها قانونيا في الولايات المتحدة، فمن حق كل مجموعة عرقية أو دينية أو غير ذلك أن تكون تجمعا للضغط على صانعي القرار من اجل تحقيق مصالحها.
الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة أدركت هذه الحقيقة، ولكن مؤخرا، فبدأت في تكوين منظمات لحماية مصالحة، وللضغط من اجل تعديل أو منع صدور بعض القوانين التي تضر بمصالح وحقوق جاليتها، التي أضحت جزء من المجتمع الأميركي، ومن ثم فان لهم حقوق المواطنة.
لا يمكن بأي حال مقارنة إمكانيات تلك التجمعات العربية باللوبي الصهيوني، فالقدرات المادية لمنظمة مثل ايباك وحدها، تقاس بنحو 60 مليون دولار سنويا (والبعض يقدرها بالمليارات)، فيما تعجز الجالية العربية والتي يبلغ تعدادها ضعف تعداد اليهود، عن جمع عدة آلاف أو ملايين من الدولارات.
لكن ذكاء ايباك يكمن في أنها تعلن دائما وبوضوح بأنها لا تتلقي دعم من إسرائيل، وأنها منظمة أميركية. وهذه في الواقع ملاحظة هامة يجب أن تدركها جماعات الضغط العربية والإسلامية الأميركية حتى لا تتهم بالعمالة، وحتى يكون نشاطها مؤثرا في المواطن وصانع القرار الأميركي.
أهداف محددة
تنظر قيادات اللوبي الصهيوني في أميركا الى أهدافها، مثلما ينظر الرامي من فتحة سلاحه الى الهدف، ويضغطون بلطف وهدوء على الزناد لتنطلق رصاصاتهم وتصيب الهدف بدقة. لا يهم ما إذا كان السلاح المستخدم جمهوري أو ديمقراطي الانتماء، لذا فهم يعملون بتواصل وعن قرب مع قادة اكبر حزبين سياسيين في شتي أرجاء الولايات المتحدة، على التوازي.
في الموقع الالكتروني لمنظمة ايباك على الانترنت يمكن أن تشاهد صور لقادة المنظمة اليهودية، مع ابرز قادة أميركا، فهم يلتقطون الصورة مع الرئيس جورج بوش، ونائبه، جمهوريي التوجه، فيما يصافحون هيلاري كلينتون المرشحة المقبلة للانتخابات الرئاسية، وكذلك نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، من الحزب الديمقراطي.
وتكون النتيجة، ما أعلنته المنظمة من "انجازات" (قياسا على مصالحها)، ومنها: إرسال خطاب موقع من 259 عضو بمجلس النواب إضافة 79 سناتور من مجلس الشيوخ، الى الاتحاد الأوربي يطالبونه بعدم الاعتراف أو التعامل مع الحكومة الفلسطينية - بقيادة حماس - الى أن توافق "المعايير الدولية".
أيضا من "الانجازات": تقوية التعاون المشترك بين أميركا وإسرائيل في مجال الأمن القومي. تأمين الدعم الأجنبي المالي لإسرائيل. وزيادة المساعدات العسكرية لها. وفي نفس الوقت زيادة الضغط الدولي ومنع أي دعم مالي لحكومة لحماس. مد فترة تقديم ضمانات القروض الأميركية لإسرائيل حتى عام 2001. وتخزين المعدات العسكرية في الدولة العبرية لاستخدمها في وقت الأزمات. توقيع اتفاق لتقديم الخدمات الصحية الإسرائيلية بالتعاون مع الصليب الأحمر. استمرار انتقاد إيران، وتجديد وتشديد العقوبات ضدها وضد ليبيا وسوريا. اعتبار تليفزيون المنار المملوك لحزب الله كيانا إرهابيا.
بمرور الوقت وتحقيق مثل تلك الأهداف التي ترمي في مصلحة إسرائيل، تتكون هالة من الرهبة حول اللوبي الصهيوني، وتتلي الأساطير عنه، وهو ما يزيد من تسهيل مهمة قادة تلك الجماعات بعد أن قوي نفوذهم عالميا.
فهل يمكن أن يؤثر القانون الجديد على نشاط اللوبي الصهيوني في إسرائيل؟ اشك في ذلك.
ياسر خليل
باحث وصحافي مصري

yasserof2003@yahoo.com

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية