Yasser Khalil

مدونة تضم بعض اعمال الباحث والصحافي المصري ياسر خليل.

2006-03-18

بحث جديد يحذر من تاثيرات صعود الصين علي الحضارات الاخري

مقدمة البحث
بدأت التنبؤات بصعود الصين، إلي مرتبة القوي العظمي الثانية في العالم، تقترب من التحقق، وظهر للعيان أن بكين لديها القدرة علي تخطي الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا، في غضون عقد أو اثنين علي الأكثر. ويقول بعض الباحثون أن ذلك سيحدث بحلول عام 2015، إذا ما استطاع هذا البلد الآسيوي الحفاظ علي معدلات نمو اقتصادي مرتفعة.
هذه التطورات تأتي في وقت تتوقع فيه نسبة غير قليلة من الناس، أن يحدث توازن في النظام العالمي، بصعود الصين، التي يفضلها الكثيرون في أنحاء العالم مقارنة بالولايات المتحدة، ويزداد تفضيلها خاصة في العالمين العربي والإسلامي.
إذا ما صعدت الصين إلي مرتبة القوي العظمي الثانية، ربما يحدث نوع من توازن القوي المؤقت، في النظام العالمي، ولكن بكين سرعان ما ستتمكن من الانفراد بزعامة العالم، نظرا لما لديها من إمكانيات بشرية واقتصادية وعسكرية وسياسية ضخمة، وبالتالي فان التوازن لن يدوم طويلا، كما يرجو البعض، وستبدأ الصين في فرض رؤاها علي العالم.
وحينها ستبدو المعارك التي شهدها كوكبنا في عصر "العولمة"، أو ما أطلق عليه "الأمركة" كرحلة ترفيهية مقارنة بما سيحدث في ظل "العولمة" الجديدة التي يمكن أن نطلق عليها اسم "التصين".
وسيكون الأكثر تضررا في مرحلة هيمنة الصين علي العالم، ونشرها لثقافتها، هم أصحاب "الديانات الإبراهيمية" الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) بشكل خاص، وأصحاب العقائد الدينية والأيدلوجيات السياسية المخالفة للنظام الحاكم الصيني بشكل عام.
هذا الطرح (موضوع البحث) قد يبدوا مستغربا إلي حد ما، لان الصين لا يظهر منها أي مؤشرات واضحة تخبر عن هذا التوجه، لكن خبرات الحاضر والماضي البشري، وبعض المؤشرات المرصودة عن هذا البلد، تنبئنا بأنه ليس استثناء، وتذكرنا بأن كل الحضارات التي حققت نهضة جعلتها الأكبر في العالم اقتصاديا وعسكريا وعلميا، وثقت في قيمها وثقافتها وسعت إلي نشرها علي أوسع نطاق ممكن، أو اغترت بقوتها واستغلتها لتحقيق أطماعها.
ياسر خليل
القاهرة، 15 مارس 2006
للحصول علي نسخة كاملة من البحث، توجد وصلة علي يمين الصفحة

2006-03-07

تمهلوا لحظة.. ماذا لو سقطت أميركا؟!

ياسر خليل
يبدو بجلاء مدى الغضب المتصاعد الذي يجتاح قلوب نسبة كبيرة من المسلمين حول العالم تجاه الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية والعربية والإسلامية، خاصة بعد الحرب على العراق، وهذا واضح في استطلاعات الرأي، ونستشعره من الواقع الذي نعيشه، وسيول الأنباء والتحليلات والآراء المتلاحقة.
وليس هذا دليلا على أن الأعمال الإجرامية التي يرتكبها الإرهابيون منذ وقوع أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 ضد المدنيين الأبرياء العزل، تحظى بقبول أو شرعية من قبل المجتمعات الإسلامية، أو أنها تعبر عن أخلاق الإسلام والمسلمين، لكن الواقع يكشف (وبكل صدق) أن هناك حالة من الرضا تعلو وجوه الكثيرين حين يضرب "هدف" أميركي أو غربي أو تابع لدولة حليفة لواشنطن حتى وان كانت عربية أو إسلامية.
هذه الحالة الخطيرة - التي تجتاح قلوب نسبة غير قليلة من المسلمين - تعد كارثة حقيقية، فهي في جوهرها نتاج للغضب، والغضب يعمي الأبصار ويشل العقول. ويأتي الشعور بالرضاء تعبيرا عن الإحساس البشري بـ"لذة الانتقام من العدو"، فليس لهذا الشعور أساس ديني أو أخلاقي، وتلك الحالة الكارثية هي التي تمد "آلة الإرهاب الأسود" بالوقود اللازم (من زهور شبابنا) لتدمر العالم وتشوه صورة الإسلام والمسلمين.
يتمنى الإرهابيون (عبر تلك الأعمال الإجرامية) أن تسقط أميركا والغرب وأنظمة الحكم العربية والإسلامية الحليفة لها، وربما يشاركهم في هذا التمني كثيرون من المسلمين الغاضبين من أميركا وحلفائها، غير أن أحدا منهم لم يفكر ماذا سيحدث لو سقطت أميركا!
ربما لو فكروا قليلا في حال العالم (المتوقع) لو سقطت أميركا، لوثقوا في أنه الآن أفضل بكثير من ما ينتظرهم، لكننا كما قلنا من قبل أن الغضب يعمي الأبصار ويشل العقول.
لو سقطت أميركا، فان "دولة الخلافة" التي ينشدونها لن تقوم في ظل بلدان إسلامية ضعيفة ومتفرقة، ودلائل عديدة تقول أن الصين ستقود العالم من بعدها، فهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 1,3 مليار نسمة، قد انطلق بسرعة هائلة بعد أن كان في مؤخرة دول العالم النامية وقت إنشائه عام 1949، ليصبح صاحب اكبر معدل نمو اقتصادي في العالم، فبلغ ناتجه المحلي الإجمالي، العام الماضي 7,262 تريليون دولار أميركي، بمعدل نمو 9,1%، في حين أن دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة (25 دولة) حققت 11,650 تريليون بمعدل نمو 2,4% في نفس العام، أما اليابان فحققت 3,745 تريليون، بنمو 2,9%.
ما يرجح كفة الصين (كقطب بديل محتمل) مقارنة بالاتحاد الأوروبي واليابان، هي أنها قوة بشرية واقتصادية وعسكرية وسياسية ضخمة، إضافة الى أنها قوة نووية، فيما يعاني الاتحاد الأوروبي من انشقاقات وخلافات داخلية واضحة (لا مجال لذكرها)، أما اليابان فهي قوة اقتصادية كبيرة، لكنها ليست قوة سياسية أو عسكرية لها ثقلها مثل الصين.
كثيرون يتمنون أن تحكم الصين العالم، وتسقط أميركا، لكن بالنظر الى واقع وماضي هذا البلد يمكن إن تتنبأ بسهولة كيف سيكون مصير العالم اجمع والمسلمون بشكل خاص لو أضحت الصين هي القطب الأوحد في العالم.
يذكر كتاب "المعتقدات الدينية لدى الشعوب" الذي اشرف على تحريره جفري بارندر: "كان الشعب الصيني في تراثه التقليدي، يعتبر نفسه مركزا للكون، وكلمة شنج – كيو Chung-Kuo، وهي الاسم الصيني للصين، تعني حرفيا "مملكة الوسط" فقد عد الصينيون أنفسهم، على نحو ما فعل الإغريق، جزيرة من الثقافة وسط بحر من التوحش والهمجية".
ولا زال الصينيون يفكرون بنفس الطريقة القديمة الى حد كبير، متأثرين بعزلتهم التاريخية والجغرافية، على الرغم من انفتاحهم على العالم مؤخرا، ويؤكد الكتاب الذي صدر عام 1971، على أن اللغة الصينية متفردة، ولا تشبه غيرها، إضافة الى انك تستطيع قراءة ما كتب بها قبل ألفي عام بسهولة ما دمت ملما بها، مضيفا "لقد ظلت خاصيتا التفرد والاتصال اللتان يتميز بهما روح الشعب الصيني حيتين على نحو مذهل، رغم أن هذه الإمبراطورية حل محلها في البداية النظام الجمهوري من 1912 حتى عام 1949، ثم النظام الشيوعي".
ويوضح الكتاب أن "ثلاث ديانات لعبت الدور الرئيسي على مدى ثلاثة آلاف سنة من التاريخ الصيني. وهذه الديانات هي الكونفوشية، الطاوية، والبوذية"، وجميع تلك الديانات تعتمد في جوهرها على تعاليم وضعها مؤسسوها، وبالتالي فهي تختلف عن مفهوم الدين لدي أتباع الأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، فتركيزها ينصب على الأخلاقيات والأمور الدنيوية، و لا يحذر الإنسان من أن الله موجود ويراقبه ويعلم ما في نفسه، وان هناك حسابا في الآخرة، فان افلت بذنبه في الدنيا فلن يفلت به من الله يوم الحساب.
وتشير الإحصاءات الرسمية لعام 2002، الى أن ما يزيد على 94% من الصينيين يتبعون الديانتين البوذية والطاوية، فيما لا يتجاوز عدد المسلمين مابين 1-2%، والمسيحيون 3-4%.
ويقول موقع "شبكة الصين" الالكتروني على الانترنت، أن هناك نحو 56 قومية في الصين، من بينها 10 قوميات مسلمة يبلغ تعدادها مجتمعة 17,597 مليون نسمة، طبقا لإحصاءات عام 1990، وهذا الرقم الضئيل (نسبيا) من المسلمين جاء بعد أن دخل الإسلام الى الصين قبل ما يزيد على 1300 عام، وهو ما يعكس مدى انغلاق هذا البلد على نفسه وثقافته الخاصة.
من الجهة الأخرى تؤكد المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة أن الدين الإسلامي يعد من أسرع الأديان نموا في هذا البلد، وقيل أن قرابة 28 ألف أميركي يدخلون الإسلام كل عام، وتشير الدراسات الى أن هناك مابين 6 الى 7 ملايين مسلم من بين 295 مليون أميركي، رغم أن المهاجرين المسلمين لم يصلوا الى الولايات المتحدة قبل مطالع القرن العشرين، فيما تبلغ نسبة المسيحيين في أميركا 76% (52% بروتستانت، 24% رومان كاثوليك) أي أن أميركا تعد بلدا مسيحيا طبقا لأغلبية سكانه ومؤسسوه أيضا.
والآن يوجد قلق حقيقي لدى الأميركيين من صعود الصين بشكل مستمر ومتسارع، أي أن هناك حرب شبه باردة وخفية بين الجانبين، وفي الماضي حزن المسلمون الأوائل حين هزم الفرس (الملحدون) الروم (المسيحيون) فجاءت آيات من سورة الروم في كتاب الله تطمئنهم أن الروم سيهزمون الفرس بعد سنوات قليلة، ولم يعتب الله عليهم لأنهم أيدوا بقلوبهم أهل الكتاب الذين هم اقرب منهم بكثير عن الملحدين، بل واخبرهم تعالي بأنهم سيفرحون حين يهزم الروم الفرس.
وإذا كان التحيز الأميركي لإسرائيل هو السبب الأول في تصاعد الكراهية ضد الولايات المتحدة في البلدان العربية والإسلامية، فان الصين التي كان لها مواقف تؤازر الفلسطينيين والعرب، قد بدأت منذ سنوات في التحول النسبي، واتجهت بحماس الى تنمية علاقاتها مع تل أبيب في شتى المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها.
ويبدو أن الإسرائيليين أدركوا بما لا يدع مجالا للشك أن الصين مؤهلة لان تصعد كقطب ثاني وربما منفرد في النظام العالمي الجديد، خلال سنوات قليلة، وان كان لازال المشوار بعيدا بعض الشيء على بكين، إلا أنها في طريقها الى القمة، وهو الأمر الذي دفع إسرائيل لتوطيد العلاقات معها مبكرا، حتى وان اثر ذلك على علاقتها مع واشنطن، نتيجة لتهريب التكنولوجيا العسكرية الأميركية الى جيش التحرير الصيني.
وإذا كنا (كعرب ومسلمون) غاضبين بالفعل من ما وقع من انتهاكات لحقوق الإنسان في سجن أبو الغريب بالعراق ومعتقلات جوانتاناموا، فعلينا أن ننظر قبل المقارنة بين الدولتين، الى تقارير منظمات حقوق الإنسان في الصين، (وهي ذات المنظمات التي تنتقد أميركا أيضا).
ولننظر الى ما اقترفته بكين من إعدام وترويع وتعذيب آلاف المسلمين وانتهاكاتها الصارخة في حق الاعتقاد، ضد الأيغور في مقاطعة كسينغتيانغ (تركستان الشرقية)، وهو ما نشر جزء منه في تقرير لمنظمة هيومان رايتس واتش مؤخرا تحت عنوان "الصين: القمع الديني للمسلمين الأيغور، مشاهد من فصول القمع في كسينجيانغ"، ويمكن أن تقرأ الكثير عنه في مواقع الأيغور ومقالاتهم على الانترنت.
وإذا كان الصينيون قد تجرؤا في عام 1989 على قتل مئات أو آلاف من المعارضين المعتصمين سلميا في ميدان تياننمين، في مذبحة تاريخية ضد أبناء وطنهم، فكيف سيفعلون بمن يعارض مصالحهم من الغرباء، وإذا كانوا يعتقلون مئات الألوف في سجونهم دون إذن قضائي، لأنهم عبروا عن آرائهم، فما تتوقع منهم تجاه حرية التعبير في العالم إذا ما أصبحوا القوة العظمى فيه؟
وبالنسبة للنفط الذي تبدو الولايات المتحدة أكثر الدول شغفا للحصول عليه، فان الصين لم يبلغ بعد حجم استهلاكها نفس حجم استهلاك أميركا، فهي تستهلك نحو 4,956 مليون برميل يوميا، تنتج منها 3.392 مليون برميل، فيما تستهلك الولايات المتحدة قرابة 19,650 مليون برميل يوميا، تنتج منها 7.800 مليون برميل فقط، ولنا أن نتوقع كيف سيشن الصينيون حروبهم إذا ما حكموا العالم من اجل الحصول على النفط.

الناشر موقع "ميدل ايست اونلاين" 13-7-2005
باحث وصحافي مصري *

حتمية الصدام بين الإسلام والغرب وصراع الحضارات.. حقيقة أم خرافة؟

ياسر خليل
نشر بجريدة "الشرق الاوسط" يوم 26-3-2002 ... اضغط هنا لمشاهدة عرض الكتاب

التهديد الاسلامي خرافة أم حقيقة يطرح الباحث الاميركي الشهير جون. ل. اسبوزيتو، في كتابه «التهديد الاسلامي خرافة أم حقيقة» والصادر حديثا عن «دار الشروق» بالقاهرة والذي ترجمه الى العربية الدكتور قاسم عبده قاسم، عدداً من الأسئلة التي تصاعد رنينها بعد أحداث الثلاثاء الأسود المحزنة بأميركا، وهي: هل الاسلام والغرب على طريق تصادم حتمي؟ هل الأصوليون الاسلاميون متعصبون ويذكرون بما عرفته أوروبا في العصور الوسطى؟ هل الاسلام والديمقراطية لايتوافقان؟ وهل تشكل الأصولية الاسلامية تهديداً للاستقرار في العالم الاسلامي وللمصالح الاميركية في المنطقة؟
ويشير الباحث الاميركي الى عدة مؤشرات دفعت الغرب في العقدين الماضيين الى الاعتقاد بأن الأصولية الاسلامية، أو ما يطلق عليه «الاسلام المقاتل» يشكل تهديداً خطراً على حضارته ومستقبله، ويقدم نماذج لآية الله الخوميني الذي أدان اميركا باعتبارها «الشيطان الأكبر»، وحركة طالبان بافغانستان، ودعوة صدام حسين للجهاد ضد الكفرة الأجانب، ويؤكد على ان كل هذا أعاد فرض صورة الاسلام المقاتل، باعتباره دين الغزو والتوسع.
ومن الجهة الأخرى ينتقد البروفيسور اسبوزيتو الغرب، والافتتاحيات والمقالات بالصحف الغربية التي تحمل عناوين متشائمة من نوع «ذروة الأزمة صدام الحضارات»، و«الحرب الاسلامية ضد الحداثة»، «الاسلام الصاعد ربما يهيمن على الغرب»، مشيراً الى أن هذه العبارات تستولي على الانتباه العام الغربي، وفي ذات الوقت تبالغ وتشوه طبيعة الاسلام، والحقائق السياسية في العالم الاسلامي وعلاقته المختلفة مع الغرب، ويصف هذه العبارات بأنها تكرس لدرجة مدهشة من الجهل والتنميط الثقافي للعرب والمسلمين.
الاسلام المعاصر: إصلاح أم ثورة؟
يعتبر المؤلف، ان مصطلح الأصولية Fundamentalism يعد وصفاً عاماً يعبر عن كل شيء ولا يعبر عن شيء، كما انه مصطلح مثقل بالمزاعم المسبقة، والتنميط، وانه يتضمن مغزى التهديد الكلي الذي لا وجود له، مفضلا استخدام مصطلحات مثل «حركة الاحياء الاسلامي»، و«النشاط الاسلامي». ثم يتحدث المؤلف عما أسماه تجربة الفشل التي يواجهها العالم الاسلامي في مواجهة التقدم والتفوق الغربي، مما دفعه الى البحث عن هويته، بخاصة على الصعيد السياسي في أعقاب هزيمة 1967.
وحول علاقة الاسلام بالغرب يشير المؤلف الى ان علاقة الاسلام بالغرب تميزت بالتجاهل والاحتقار والصراع المتبادل، رغم «الجذور اللاهوتية المشتركة» والتفاعل بينهما على مر القرون. وفسر ذلك بأن نجاح الاسلام وتوسعه وهو لايزال وليداً، شكل تحدياً قوياً على المستوى اللاهوتي والسياسي والثقافي للغرب المسيحي. ويذهب اسبوزيتو الى انه بينما يوصف تغريب العالم الاسلامي وعلمنته بالادانة فإن التحديث بحد ذاته ليس محلاً للادانة، فالعلم والتكنولوجيا مقبولان ويستخدمهما الاسلاميون في شؤون حياتهم وفي نشر الدعوة، بينما وصف الجماعات الراديكالية بأنها تفترض ان الاسلام والغرب في معركة مضنية يعود تاريخها الى أيام الاسلام الباكرة، وانها معركة تحمل تأثيرات ثقيلة من ميراث الحروب الصليبية والاستعمار الأوروبي.
وسرد الكاتب بأسلوب لا يخلو من الإعجاب بعض مظاهر الحضارة الاسلامية واصفاً المسلمين بأنهم يحسنون التعلم كما يحسنون الفعل، اضافة الى ذكره جوانب هامة من الشريعة الاسلامية تحت عنوان «الشريعة الاسلامية شرع الله»، تحدث خلالها عن أركان الاسلام الخمسة، لافتا النظر إلى ان غير المسلمين عاشوا تحت حكم الاسلام في وضع أفضل من عيشهم تحت الحكم الأجنبي السابق له وان حكام المسلمين كانوا أكثر مرونة وتسامحاً معهم، وانهم دفعوا ضرائب أقل في ظل الاسلام، ملمحاً الى ان الاضطهاد الذي عاناه أهل هذه البلاد تحت الحكم الأجنبي دفع الجماعات اليهودية والمسيحية الى مساعدة جيوش المسلمين لفتح بلادهم.
وعلى ضوء ذلك يقارن اسبوزيتو بين الامبريالية الأوروبية ونضال الشعوب من أجل الاستقلال. وهو يرى ان التحدي السياسي الذي طرحه الاستعمار قد زاد كثافة بسبب موجة من النشاط التبشيري المسيحي الذي كان يسعى الى تحويل الناس الى المسيحية، مدللاً على ذلك بخريطة العالم الاسلامي عقب الحرب العالمية الأولى والتي ـ كما يقول ـ كشفت عن مدى اتساع السيادة الأجنبية، ومن ثم قد حدثت أربع استجابات اسلامية للغرب، وهي الرفض، والانسحاب، والعلمانية والتغريب، والحداثة الاسلامية.
ويقول اسبوزيتو ان دور الاسلام في التطور الباكر لكل من الحركة الوطنية والحركة القومية كان أقل بروزاً، وان التحركات الأولى جاءت كرد فعل للحكم العثماني أكثر من كونها رداً على الغرب. ويرى ان الاسلاميين والعلمانيين قد استخدموا الدين منذ مطلع القرن العشرين على حد سواء لتقوية حكمهم، وان الحكومات قد فرضت العلمانية من أعلى، وتم تحديد الدين في نطاق قوانين الأحوال الشخصية والأسرة.
وينتقد اسبوزيتو في كتابه غالبية الغربيين، لان مفهومهم خاطئ عن التاريخ الاسلامي، فقد تشكلت في أذهانهم معلومات ومواقف تجاه المسلمين والعالم الاسلامي بفعل التصورات والتجارب التي صكت في كبسولات من عينة «الأصولية الاسلامية» و«الإرهاب»، معبراً عن أسفه لان عبارة كالأصولية الاسلامية باتت وسيلة كافية، وان كانت مضللة، تستخدمها الحكومات ووسائل الاعلام الغربية لتعريف مجموعات تنتشر في طول العالم الاسلامي وعرضه، كما صارت هذه العبارة «غولاً» جاهزاً تستخدمه أنظمة الحكم في البلاد الاسلامية لتلطيخ سمعة المعارضة والحط من قدرها.
ويتطرق اسبوزيتو الى هزيمة 1967، وما خلفته من اهتزاز الثقة لفكرة القومية العربية، وكيف اثر ذلك على الحكومات الثورية القومية في العالم العربي لتتحول صوب الاسلام من أجل دعم ركائز آيديولوجياتها الوطنية المتردية، كما تحدث عن الثورة الايرانية وكيف اصبحت مصدر قلق لحكام العالم الاسلامي وسرعة تصديرها كنموذج نال اعجاب الجماعات الاسلامية. كما يرصد في هذا السياق مسيرة جماعة الاخوان المسلمين في مصر منذ نشأتها 1928 على يد حسن البنا، كما يتناول مرجعياتها الفكرية والدينية، واعتبرها إلى جانب جماعة ـ أي ـ اسلامي الهندية بقيادة أبو الأعلى المودودي الذي أسسها في الهند عام 1941، سبباً رئيسياً في تطور حركة الاحياء الاسلامي. كما يعتبر الكاتب سيد قطب الدافع الأول وراء تأسيس جماعات العنف المسلح، ووصفه بأنه الرجل الوحيد الذي يعتبر مهندس الاسلام الراديكالي، وان تشدده جاء بعد قمع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتطرق المؤلف كذلك الى الجماعات «الثورية الاسلامية» الأخرى في مصر، مثل جماعة الجهاد، وشباب محمد، والتكفير والهجرة، والناجون من النار، متحدثاً عن أسلوب الزعامة والتنظيم والعضوية في تلك الجماعات، وعن حركة أمل الشيعية وحزب الله في لبنان، وعن الزعيم الشيعي اللبناني موسى الصدر وعن اختفائه الغامض في العام 1978 عندما كان يزور ليبيا. وروى اسبوزيتو قصة الصراع بين حزب الله وحركة أمل واستخدام العنف وتدمير المصالح الغربية التي كان أبرزها قتل 250 فرداً من مشاة البحرية الاميركية، كما تناول الحركات الاسلامية في المغرب وتونس والجزائر التي توقف أمام جماعاتها المسلحة طويلا، وتساءل عن النموذج التركي «هل هو علماني متشدد أم اسلامي متشدد؟». واختتم أسبوزيتو كتابه بالحديث عن فترة ما بعد الحرب الباردة موضحا الدوافع المختلفة وراء بروز فكرة التهديد الاسلامي للحضارة الغربية أو التحذيرات من صدام وشيك بين الحضارات، والتي تعالت باطراد في اميركا وأوروبا.
وينتقد من جديد التحليل الانتقائي للغرب دون محاولة للفهم الحقيقي للأسباب المؤدية والكامنة خلف العنف، نافياً ان يكون الاسلام تهديداً للغرب، لكنه وصفه بأنه تحد يواجه الحضارة الغربية باعتباره أسلوباً مختلفاً عن حياة الغرب. ووجه اسبوزيتو في هذا السياق نقداً حاداً لصمويل هنتنجتون صاحب المؤلف الشهير «صدام الحضارات» ووصف مناقشاته بأنه استفزازية للاسلام. وأفرد فقرة مطولة للحديث عن السياسة الاميركية تجاه الاسلام ودوله، وقال ان أغلب التنظيمات الاسلامية تسعى للعمل من داخل النظام، وان القليل منها راديكالي يحمل السلاح.

باحث وصحافي مصري