هل يوجد مسيحي طيب؟
التقيت أحد سجناء جهاز أمن الدولة السابق، وكان محسوبا علي الإسلاميين، وقد أمضي هذا الرجل ثلاث سنوات ذاق فيها العذاب أشكالا وألوانا، وكانت تهمته أنه يصوم ويصلي ويلتزم بتعاليم دينه.
اقسم الرجل أنه لا ينتمي إلي أي جماعة إسلامية، ولكنه مسلم فحسب، وكان ينتقد سلوك أعضاء تلك الجماعات وتطرفها، وبدا لي أنه شخص متدين معتدل، لا يكره أحدا، ولا ينتقد الآخرين، ببساطة، هو من المسلمين وليس من الإسلاميين، تدينه يشبه تدين أغلب المصريين الطيبين.
قصة هذا الرجل قد لا تكون استثنائية، ما كان لافتا في الأمر، هو أنه عند تعليقه علي معاملة الضباط للسجناء - والتي وصفها بأنها تخلو من الرحمة – تحدثه بثقة عن نوايا ضابطين بأمن الدولة، يعاملان السجناء بشكل جيد، أحدهما مسلم، والآخر مسيحي. ثقته تشعرك بأنه شق عن صدرهما وعلم ما به.
قال عن الضابط المسلم إنه الوحيد الذي بكي عند رؤية حالهم، وقبل دون غيره من الضباط الأطباء أن يضع سماعته علي أجسادهم المهملة إلا من التعذيب، والتي تمر بضعة شهور عليها دون استحمام. وصف الرجل الضابط بأنه "عنده رحمة وقلبه طيب".
ثم تحدث عن ضابط برتبة عميد، وهو مسيحي، كان "يتعمد" مساعدتهم، وتلبية طلباتهم التي ربما يرفضها ضباط آخرون "يحملون أسماء مسلمين، ولكنهم ليسوا كذلك" حسب رأيه. فسألته ولماذا تري أنه يتعمد فعل ذلك؟ فقال: إنه يرغب في أن يقول الناس، انظروا كيف يتعامل المسيحيون أفضل من المسلمين.
تعجبت من إجابته، ولكن سرعان ما تذكرت آراء مشابهة من كثيرين. سألته: ولماذا لا يكون فعلا مخلصا؟ فرد: أن المسيحيين يحاولون الظهور بمظهر طيب، حتى يقال إنهم أفضل من المسلمين.
غيرت ملاحظاته هذه مجري الحديث تماما. سألته لماذا نحكم دائما علي أمور لا يمكننا الحكم عليها؟ أنها فوق طاقتنا البشرية. هل بمقدورك أن تطلع علي قلبه لتعرف إن كان مخلصا، أم مرائيا؟ أليس هذا ظلما نرتكبه ضد بعضنا بعضا؟
ذكرته بمقولة الإمام ابن تيمية الشهيرة إن "الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة"، وجورنا علي حق بعضنا نوع من الظلم. ذكرته بالنصر الذي حققته الثورة حين وقف المصريون جميعا في ميدان التحرير يدا واحدة بمختلف معتقداتهم وأيدلوجياتهم.
عاد الرجل إلي نفسه ثم أقر بخطأ هذا الظن السيئ، واكتشف ما فيه من جور علي حق شخص ربما يفعل هذا بحب وود، وربما يريد به وجه الله، وله علينا أن نظن فيه خيرا، وأن نقدر له ما يفعله من اجلنا.
علاقة المواطنين ببعضهم تؤثر في مسار الدول سلبا وإيجابا، واعتقد أننا مسلمين ومسيحيين وغير ذلك نحتاج إلي إعادة النظر في علاقتنا ببعضنا، نحتاج إلي مزيد من الحب، والاحترام، والظن الحسن، ليس ظاهريا فقط، ولكن من داخل قلوبنا، والله سبحانه وتعالي يعلم ما في القلوب، وهو تعالي لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
إذا ما كنت متشككا في وجه النظر هذه، قارن بين ما تحقق خلال ثورة 25 يناير من نجاح، وما تلاه من إخفاقات، وراجع كيف كنا خلال الثورة متحدين ومتحابين، وما أصبحنا عليه بعدها من فرقة، وخلاف، وتشكيك، وتخوين، بل وأحيانا تكفير.
إذا لازلت رافضا لهذا الرأي، لا عليك، ولكنني واثق في أن هناك الكثير من المسيحيين وغير المسلمين الطبيبين..
جريدة ميدان التحرير
1 تعليقات:
في 5:24 ص , غير معرف يقول...
Hi, yup this post is actually fastidious and I have learned lot of things from it about blogging.
thanks.
my homepage - golf bag cigar humidor
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية