Yasser Khalil

مدونة تضم بعض اعمال الباحث والصحافي المصري ياسر خليل.

2011-02-24

الإسلام ومستقبل الثورات العربية الجديدة


لا بد من طرح السؤال التالي: لماذا يساعد الغرب الدكتاتوريات العربية؟ ربما الجواب يكمن في قبوله لتلك الدكتاتوريات مقارنة بخطاب إسلامي متطرف يردده البعض من دون تفكير.


ميدل ايست أونلاين

بقلم: ياسر خليل

آخر ما نحتاج إليه في بلداننا العربية هو حشد العالم ضدنا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا. فالشعوب في مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن – وربما تلحق بهم بلدان عربية أخرى – قدمت من أبنائها شهداء ومصابين وتحملت مصاعب جمة أملا في غد أفضل.

وبينما نحن منغمسون في ثورات وتظاهرات ومراحل انتقالية حاسمة هذه الأيام، يتابعنا العالم عن كثب وبقلق إلى حد يفوق توقعاتنا، ويرصد اتجاهاتنا لحظة بلحظة.

في الغرب بشكل خاص تتصاعد المخاوف من مستقبل العرب بعد أن اسقط الثوار حليفين مقربين للولايات المتحدة وأوروبا، وهما الرئيسين المخلوعين: المصري حسني مبارك، والتونسي زين العابدين بن علي.

ويتبنى بعض الساسة والأشخاص المقربين من دوائر صنع القرار في أوروبا وأميركا وجهة نظر مفادها أن الحركات الإسلامية التي تعتمد تفسيرا متطرفا للدين ستسيطر على مقاليد الحكم إذا ما أجريت انتخابات ديمقراطية حرة.

ويستغل اصحاب هذا الطرح حالة رجل يدعى سيد موسي في أفغانستان ينتظر تطبيق حكم بإعدامه بعد أن تحول من الإسلام إلى المسيحية، ليقولوا إن "هذا هو الإسلام"، وشريعته لو طبقت ستكره الناس على إتباعه، ولن تسمح بحرية الاعتقاد، ولن تحترم حقوق الإنسان.

ويغيب عن تلك الجدالات السياسية آراء منشورة لعلماء مسلمين مرموقين أكدوا أن الإسلام لا يبيح قتل من يتركه، ولا يكره أحدا على اعتناقه، لان الصوت الأكثر ارتفاعا والذي يثير الانتباه والقلق في آن هو صوت التطرف.

إذا ما يحدث في أفغانستان وغيرها من الأماكن الخاضعة لسيطرة رجال دين يعتمدون تفسيرات متطرفة، يترجم على انه هذا هو الإسلام، ولان العرب هم من حملوا هذه الدعوة إلى أرجاء العالم فهم محط الأنظار خاصة في هذه المرحلة.

وحساسية الأمر تكمن في انه ليس متعلقا بالغرب فحسب، نحن نتحدث عن رؤية أكثر من 5 مليارات إنسان غير مسلم لنا كمسلمين، فالعالم الآن بلغ تعداده نحو 6.7 مليارات نسمة، منهم قرابة 1.6 مليار فقط مسلمون.

وهو ما يطرح سؤالا: كيف تبدو علاقتنا كمسلمين بثلاثة أرباع سكان كوكب الأرض؟ بالنظر إلى ما يجري في العديد من بلدان العالم سنمسك بأول خيط للإجابة على هذا السؤال الهام.

على سبيل المثال لا الحصر هناك نماذج متفاوتة من التوترات بين المسلمين وغيرهم: انظر لما يحدث في الصين ضد أقلية الايغور المسلمة، وما يجري بين مسلمي الشيشان وروسيا، وما وقع من مصادمات طائفية في بورما، وتايلاند، والبوسنة والهرسك، ونيجيريا، وإثيوبيا، وكذلك السودان الذي اختار سكانه الجنوبيون مؤخرا الانفصال عن شماله.

بإضافة النماذج السابقة وغيرها إلى ما يطلق عليه "الصدام التاريخي بين الإسلام والغرب"، سنكتشف أن علاقتنا بأغلب سكان العالم متوترة بطريقة أو بأخرى، وهذا يطرح سؤالا ثانيا لا يقل أهمية، وهو: لما هذا التوتر الاستثنائي؟ وأقول استثنائيا لأنه لا تواجه أي عقيدة دينية أخرى مثيلا له في العصر الحديث.

الإجابات التقليدية المطروحة غير كافية، حيث تركز على العلاقة الإسلامية الغربية دون تفسير شامل لسبب التوتر بين المسلمين وغيرهم في مجتمعات متباينة في معتقداتها، وثقافتها، وسياساتها، ومواقعها الجغرافية.

إذا كنا نرغب في الوصول لحلول جدية، خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها بلداننا العربية، وهو ما سيكون له تأثير كبير على المسلمين بأغلبياتهم وأقلياتهم في شتي بقاع الأرض، يجب أن نتخلص من المنطلق الذي ظللنا نندفع منه لعقود وربما لقرون، وهو أننا مستهدفون، وأننا ضحايا لمؤامرات ضدنا.

ويجب أن نسأل أنفسنا بصراحة: لماذا لا ننعم بعلاقات طبيعية مع العالم؟ ولماذا يهتم الغرب بتنصيب ودعم نظم ديكتاتورية تقبع على أنفاسنا وتعرقل تقدمنا؟ ولماذا هو قلق الآن من احتمال صعود الإسلاميين عبر انتخابات حرة ونزيهة؟

والإجابة حسبما اعتقد بقوة هي أننا لم نسمح بان ننظر لأنفسنا - ولو لمرة واحدة - على أننا نمثل تهديدا محتملا للعالم حين نحمل فكرا متطرفا أو غير متوافق مع عصرنا الحديث، وان بعض البلدان والفئات القلقة تعمل بدورها على احتواء أو قمع هذا التهديد المحتمل قبل أن يتحقق ويصبح واقعا كارثياً بالنسبة لها.

وليس عيبا أو حراما أن نعيد مراجعة فهمنا للإسلام وفقا للمعطيات الجديدة للعصر الذي نعيش فيه، ونخرج بفكر يتوافق مع جوهر الدين، ثم نعمل جاهدين على إقناع أترابنا الذين يستخدمون تفسيرات متطرفة بما توصلنا إليه من فهم للدين، ونستخدم شتى الطرق - المتعارف عليها والمبتكرة – لطمأنة العالم من أننا كمسلمين لا نمثل تهديدا، وأننا نشارك بايجابية ونمثل إضافة للحضارة الإنسانية.

قد يكون هذا الكلام مؤلما بعض الشيء ويصعب على النفس البشرية أن تتقبله، وما يضاعف التمنع ويقوي جبهة الرفض، أن الكثير من المسلمين لا يفصلون بين أفكارهم وفهمهم الشخصي للإسلام وبين الدين (القرآن والسنة)، ويعتبرون أي نقد أو هجوم على قناعات أو تفسيرات رجال الدين الذي يفضلونهم، هجوما مباشرا على دين الله.

وعلى سبيل المثال - وهذه مجرد محاولة للتفكير - لو نظرنا إلى الفتوحات الإسلامية التي لازال قطاع غير قليل من المسلمين يحلمون بتحققها مجددا، نظرا لأنها تمثل مرحلة ينظر إليها اغلب المسلمين على أنها كانت جهادا في سبيل الله لنشر الدعوة الإسلامية، هذا المفهوم يحتاج إلى مراجعة جادة تتوافق مع واقعنا.

فهذه الفتوحات حسبما افهمها وفقا لقول بعض العلماء، جاءت لتوصيل الدعوة لكل الناس في العالم، ولحماية معتنقي الدين الجديد من بطش الرافضين له، ولم تكن تلك الفتوحات تهدف إلى نشر الدين بحد السيف كما حاول البعض تصويرها.

في العصر الحديث هل نحن بحاجة إلى فتوحات مماثلة؟ بالطبع لا، فالقنوات الفضائية ووسائل الاتصال المتعددة تمكنك من إرسال دعوتك إلى كل مكان في الأرض، وما دام الدين ليس بالإكراه، فليؤمن بها من يريد، وليتركها من يشاء.

واعتقد أن الإسلام هو أول من حمى مبدأ حرية الاعتقاد، لأنه أراد بفتوحاته أن يبلغ رسالته، ويحمي من يعتنقها، دون إجبار احد على تغيير دينه. وإذا كان الدين كذلك فكيف لنا اليوم أن نبدو وكأننا ضد هذا الحق الإنساني الأصيل، فالله سبحانه وتعالى لم يجبر احد على الإيمان به في الدنيا، فكيف لإنسان أن يجبر غيره على اعتناق دين ما دون اقتناع.

نحن بحاجة إلى مراجعات فكرية تعتمد على جوهر الدين، وتأخذ في حسبانها ما نعيشه اليوم. وكذلك علينا أن نعمل دون توقف لرفض كل ما يشوه صورتنا كمسلمين من تصرفات تعتمد على فهم متطرف للإسلام، لان هذا يؤثر على المسلمين حاضرا ومستقبلا في كل مكان من العالم. ونحن كعرب لابد أن نتحرك فورا حتى لا يتم إجهاض ثوراتنا التي قمنا بها من اجل حياة أفضل وأكثر كرامة.

1 تعليقات:

  • في 3:51 ص , Blogger Zahra Youssry يقول...

    أستاذ ياسر خليل
    دعنى أتفق معك فى نقطة واحدة و أختلف معك فى نقطة واحدة أيضاً :
    بداية الإسلام دين يسر و ليس دين عسر
    الإسلام دين مرن و يلاءم كافة العصور و الأزمان و المجتمعات ، لكننا كمسلمين أحياناً نصعب الأمور على أنفسنا .. نتجادل و نتناقش بسذاجة فى مسائل فقهية بسيطة و بديهيات ، و نترك الأشياء المهمة و الكبيرة .
    أنا معك فى أن صوت التطرف الإسلامى هو المسموع الآن فى الغرب و أن هناك نوع من الحساسية الدينية الغربية تجاه الإسلام بالذات .
    لكننى أختلف معك فى سبب هذا التوتر الإستثنائى بين الغرب و الإسلام :
    نعم نحن مسئولون بشكل كبير عن الإسلاموفوبيا ضدنا ، و الإسلاميون المتطرفون لا يراجعون أنفسهم و لا يحاولون فهم الدين بشكل صحيح أو تقريب وجهات النظر مع الغرب .
    لكن من السذاجة التعامل مع الغرب على أنه طفل صغير لا يفهم ، سنربت على كتفه بأبوة و نقول له : هل فهمت الإسلام الصحيح الآن يا صغيرى ؟!
    سبب هذا التوتر الإستثنائى ليس أن الغرب لا يفهم الإسلام ، و لكن لأن الغرب لا يريد أن يفهم الإسلام أو بمعنى أخر يتظاهر بأنه لا يفهم الإسلام !!!
    عندما أعلن بوش الإبن (و قالها صريحة) حرب صليبية جديدة على العراق عام 2003 لم يتهمه أحد بالتطرف .
    سنكون مسلمين ساذجين بالفعل لو أغمضنا أعيننا عن أن اللوبى الصهيونى هو المتحكم الرسمى فى الإعلام العالمى و أن الغرب كله يجامل الصهاينة بمعاداة العرب و الدين الإسلامى تحديداً ، مهما حاول المسلمون إثبات حسن نواياهم و تحسين صورتهم أمام الغرب .. و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم (120 البقرة)
    أستاذ ياسر .. لست متشائمة ، لكن ما يحدث بالفعل أن هناك رجل إسمه (العالم الإسلامى) يتحدث منذ سنوات إلى رجل أخر يسمى (الغرب) ، و الغرب يضع يديه على أذنيه ، و بعد أن ينهى العالم الإسلامى حديثه ، يقول له الغرب : آسف لم أسمع صوتك و لم أفهمك !

     

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية