Yasser Khalil

مدونة تضم بعض اعمال الباحث والصحافي المصري ياسر خليل.

2006-12-10

انقلاب علي التحيز المعرفي الغربي

الناشر مجلة "المسار" الصادرة عن جامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان
من فضلك اضغط هنا لمشاهدة المقال المنشور
ياسر خليل
هناك صحوة عالمية، أشبه ما تكون بثورة تاريخية تعيد تشكيل ملامح العالم، وتسهم بشكل متصاعد في تفكيك، وتحليل، وتنقية المعارف التي أدرك الكثيرون أنها منحازة للغرب.
لم يعد مستساغا تلقي تلك المعارف (خاصة العلوم الإنسانية) علي علتها، دون تحييد تحيزها، الذي يتصادم في أحيان كثيرة مع الهويات الثقافية، والمعتقدات الدينية للشعوب الأخرى.
ومن المثير للاستغراب أن تلك الصحوة تفاعلت بقوة، مستخدمة أدوات ( تكنولوجيا المعلومات والفضائيات) كان ينظر لها علي أنها العدة التي ستستخدمها الولايات المتحدة - وحلفائها - لصهر العالم في "بوتقتها"، بعد أن انفردت بقيادته في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.
المفكر البارز الدكتور عبد الوهاب المسيري، عرف ذلك التحيز بأنه " وجود مجموعة من القيم الكامنة المستترة في النماذج المعرفية والوسائل والمناهج البحثية التي توجه الباحث دون أن يشعر بها، وإن شعر بها وجدها لصيقة بالمنهج لدرجة يصعب معها التخلص منها".
كانت ولا زالت هناك محاولات جادة لحل إشكالية "التحيز المعرفي" من قبل بعض علمائنا ومفكرينا وكتابنا، غير أنها في معظمها تنطلق أو ينظر لها من زاوية أنها "مجابهة لما يبثه الغرب من سموم ثقافية" لطمس الهويتين العربية والإسلامية، وهي زاوية ربما تحتاج إلي مراجعة حقيقية، تتسم بالانفتاح، لأنها تفضي إلي صراعات حضارية عارمة تتواصل منذ قرون.
وإبان الحديث عن التحيز المعرفي الغربي (الواضح) غالبا ما نفتقد إلي أسئلة من قبيل: هل يجب علي الغرب أن يبث ما نؤمن نحن به؟ أم أنه يجب عليه أن يصدر طبعات مختلفة من المعارف تتوافق مع كل ثقافة من ثقافات العالم؟
فمثلا إذا جاءه طالب من العالم العربي ليحصل العلم، يجب أن يقدم له طبعة خاصة لا تتعارض مع الثقافة العربية والعقيدة الإسلامية، وإذا جلس إلي جواره زميل صيني يجب أن يحصل علي طبعة أخري لا تتعارض مع الثقافة الصينية والعقيدة الكونفوشية.
سؤال آخر، نحن نعلم جميعا أن الغرب استقي معارفه الأولي من نتاج ثقافات مختلفة، وفي مقدمتها الحضارة الإسلامية، فهل كانت تلك العلوم محايدة، وغير متحيزة لثقافاتها الأصلية؟ وكيف حل الغرب تلك الإشكالية؟
من المشكلات أيضا التي تعيق إيجاد حلول جذرية وسريعة لإشكالية التحيز المعرفي الغربي، أن إثارة تلك الأسئلة وما شابهها، كثيرا ما تصم السائل ب"العمالة"، أو ب"محاولة الدفاع عن الغرب"، ويحدث تجاهل بعمد أو غير عمد لحقيقة انه قبل العلاج يجب أن يتم التشخيص بشكل دقيق، حتى يمكن تحديد خطوات العلاج وعناصره بصورة صحيحة.