Yasser Khalil

مدونة تضم بعض اعمال الباحث والصحافي المصري ياسر خليل.

2006-03-07

تمهلوا لحظة.. ماذا لو سقطت أميركا؟!

ياسر خليل
يبدو بجلاء مدى الغضب المتصاعد الذي يجتاح قلوب نسبة كبيرة من المسلمين حول العالم تجاه الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية والعربية والإسلامية، خاصة بعد الحرب على العراق، وهذا واضح في استطلاعات الرأي، ونستشعره من الواقع الذي نعيشه، وسيول الأنباء والتحليلات والآراء المتلاحقة.
وليس هذا دليلا على أن الأعمال الإجرامية التي يرتكبها الإرهابيون منذ وقوع أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 ضد المدنيين الأبرياء العزل، تحظى بقبول أو شرعية من قبل المجتمعات الإسلامية، أو أنها تعبر عن أخلاق الإسلام والمسلمين، لكن الواقع يكشف (وبكل صدق) أن هناك حالة من الرضا تعلو وجوه الكثيرين حين يضرب "هدف" أميركي أو غربي أو تابع لدولة حليفة لواشنطن حتى وان كانت عربية أو إسلامية.
هذه الحالة الخطيرة - التي تجتاح قلوب نسبة غير قليلة من المسلمين - تعد كارثة حقيقية، فهي في جوهرها نتاج للغضب، والغضب يعمي الأبصار ويشل العقول. ويأتي الشعور بالرضاء تعبيرا عن الإحساس البشري بـ"لذة الانتقام من العدو"، فليس لهذا الشعور أساس ديني أو أخلاقي، وتلك الحالة الكارثية هي التي تمد "آلة الإرهاب الأسود" بالوقود اللازم (من زهور شبابنا) لتدمر العالم وتشوه صورة الإسلام والمسلمين.
يتمنى الإرهابيون (عبر تلك الأعمال الإجرامية) أن تسقط أميركا والغرب وأنظمة الحكم العربية والإسلامية الحليفة لها، وربما يشاركهم في هذا التمني كثيرون من المسلمين الغاضبين من أميركا وحلفائها، غير أن أحدا منهم لم يفكر ماذا سيحدث لو سقطت أميركا!
ربما لو فكروا قليلا في حال العالم (المتوقع) لو سقطت أميركا، لوثقوا في أنه الآن أفضل بكثير من ما ينتظرهم، لكننا كما قلنا من قبل أن الغضب يعمي الأبصار ويشل العقول.
لو سقطت أميركا، فان "دولة الخلافة" التي ينشدونها لن تقوم في ظل بلدان إسلامية ضعيفة ومتفرقة، ودلائل عديدة تقول أن الصين ستقود العالم من بعدها، فهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 1,3 مليار نسمة، قد انطلق بسرعة هائلة بعد أن كان في مؤخرة دول العالم النامية وقت إنشائه عام 1949، ليصبح صاحب اكبر معدل نمو اقتصادي في العالم، فبلغ ناتجه المحلي الإجمالي، العام الماضي 7,262 تريليون دولار أميركي، بمعدل نمو 9,1%، في حين أن دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة (25 دولة) حققت 11,650 تريليون بمعدل نمو 2,4% في نفس العام، أما اليابان فحققت 3,745 تريليون، بنمو 2,9%.
ما يرجح كفة الصين (كقطب بديل محتمل) مقارنة بالاتحاد الأوروبي واليابان، هي أنها قوة بشرية واقتصادية وعسكرية وسياسية ضخمة، إضافة الى أنها قوة نووية، فيما يعاني الاتحاد الأوروبي من انشقاقات وخلافات داخلية واضحة (لا مجال لذكرها)، أما اليابان فهي قوة اقتصادية كبيرة، لكنها ليست قوة سياسية أو عسكرية لها ثقلها مثل الصين.
كثيرون يتمنون أن تحكم الصين العالم، وتسقط أميركا، لكن بالنظر الى واقع وماضي هذا البلد يمكن إن تتنبأ بسهولة كيف سيكون مصير العالم اجمع والمسلمون بشكل خاص لو أضحت الصين هي القطب الأوحد في العالم.
يذكر كتاب "المعتقدات الدينية لدى الشعوب" الذي اشرف على تحريره جفري بارندر: "كان الشعب الصيني في تراثه التقليدي، يعتبر نفسه مركزا للكون، وكلمة شنج – كيو Chung-Kuo، وهي الاسم الصيني للصين، تعني حرفيا "مملكة الوسط" فقد عد الصينيون أنفسهم، على نحو ما فعل الإغريق، جزيرة من الثقافة وسط بحر من التوحش والهمجية".
ولا زال الصينيون يفكرون بنفس الطريقة القديمة الى حد كبير، متأثرين بعزلتهم التاريخية والجغرافية، على الرغم من انفتاحهم على العالم مؤخرا، ويؤكد الكتاب الذي صدر عام 1971، على أن اللغة الصينية متفردة، ولا تشبه غيرها، إضافة الى انك تستطيع قراءة ما كتب بها قبل ألفي عام بسهولة ما دمت ملما بها، مضيفا "لقد ظلت خاصيتا التفرد والاتصال اللتان يتميز بهما روح الشعب الصيني حيتين على نحو مذهل، رغم أن هذه الإمبراطورية حل محلها في البداية النظام الجمهوري من 1912 حتى عام 1949، ثم النظام الشيوعي".
ويوضح الكتاب أن "ثلاث ديانات لعبت الدور الرئيسي على مدى ثلاثة آلاف سنة من التاريخ الصيني. وهذه الديانات هي الكونفوشية، الطاوية، والبوذية"، وجميع تلك الديانات تعتمد في جوهرها على تعاليم وضعها مؤسسوها، وبالتالي فهي تختلف عن مفهوم الدين لدي أتباع الأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، فتركيزها ينصب على الأخلاقيات والأمور الدنيوية، و لا يحذر الإنسان من أن الله موجود ويراقبه ويعلم ما في نفسه، وان هناك حسابا في الآخرة، فان افلت بذنبه في الدنيا فلن يفلت به من الله يوم الحساب.
وتشير الإحصاءات الرسمية لعام 2002، الى أن ما يزيد على 94% من الصينيين يتبعون الديانتين البوذية والطاوية، فيما لا يتجاوز عدد المسلمين مابين 1-2%، والمسيحيون 3-4%.
ويقول موقع "شبكة الصين" الالكتروني على الانترنت، أن هناك نحو 56 قومية في الصين، من بينها 10 قوميات مسلمة يبلغ تعدادها مجتمعة 17,597 مليون نسمة، طبقا لإحصاءات عام 1990، وهذا الرقم الضئيل (نسبيا) من المسلمين جاء بعد أن دخل الإسلام الى الصين قبل ما يزيد على 1300 عام، وهو ما يعكس مدى انغلاق هذا البلد على نفسه وثقافته الخاصة.
من الجهة الأخرى تؤكد المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة أن الدين الإسلامي يعد من أسرع الأديان نموا في هذا البلد، وقيل أن قرابة 28 ألف أميركي يدخلون الإسلام كل عام، وتشير الدراسات الى أن هناك مابين 6 الى 7 ملايين مسلم من بين 295 مليون أميركي، رغم أن المهاجرين المسلمين لم يصلوا الى الولايات المتحدة قبل مطالع القرن العشرين، فيما تبلغ نسبة المسيحيين في أميركا 76% (52% بروتستانت، 24% رومان كاثوليك) أي أن أميركا تعد بلدا مسيحيا طبقا لأغلبية سكانه ومؤسسوه أيضا.
والآن يوجد قلق حقيقي لدى الأميركيين من صعود الصين بشكل مستمر ومتسارع، أي أن هناك حرب شبه باردة وخفية بين الجانبين، وفي الماضي حزن المسلمون الأوائل حين هزم الفرس (الملحدون) الروم (المسيحيون) فجاءت آيات من سورة الروم في كتاب الله تطمئنهم أن الروم سيهزمون الفرس بعد سنوات قليلة، ولم يعتب الله عليهم لأنهم أيدوا بقلوبهم أهل الكتاب الذين هم اقرب منهم بكثير عن الملحدين، بل واخبرهم تعالي بأنهم سيفرحون حين يهزم الروم الفرس.
وإذا كان التحيز الأميركي لإسرائيل هو السبب الأول في تصاعد الكراهية ضد الولايات المتحدة في البلدان العربية والإسلامية، فان الصين التي كان لها مواقف تؤازر الفلسطينيين والعرب، قد بدأت منذ سنوات في التحول النسبي، واتجهت بحماس الى تنمية علاقاتها مع تل أبيب في شتى المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها.
ويبدو أن الإسرائيليين أدركوا بما لا يدع مجالا للشك أن الصين مؤهلة لان تصعد كقطب ثاني وربما منفرد في النظام العالمي الجديد، خلال سنوات قليلة، وان كان لازال المشوار بعيدا بعض الشيء على بكين، إلا أنها في طريقها الى القمة، وهو الأمر الذي دفع إسرائيل لتوطيد العلاقات معها مبكرا، حتى وان اثر ذلك على علاقتها مع واشنطن، نتيجة لتهريب التكنولوجيا العسكرية الأميركية الى جيش التحرير الصيني.
وإذا كنا (كعرب ومسلمون) غاضبين بالفعل من ما وقع من انتهاكات لحقوق الإنسان في سجن أبو الغريب بالعراق ومعتقلات جوانتاناموا، فعلينا أن ننظر قبل المقارنة بين الدولتين، الى تقارير منظمات حقوق الإنسان في الصين، (وهي ذات المنظمات التي تنتقد أميركا أيضا).
ولننظر الى ما اقترفته بكين من إعدام وترويع وتعذيب آلاف المسلمين وانتهاكاتها الصارخة في حق الاعتقاد، ضد الأيغور في مقاطعة كسينغتيانغ (تركستان الشرقية)، وهو ما نشر جزء منه في تقرير لمنظمة هيومان رايتس واتش مؤخرا تحت عنوان "الصين: القمع الديني للمسلمين الأيغور، مشاهد من فصول القمع في كسينجيانغ"، ويمكن أن تقرأ الكثير عنه في مواقع الأيغور ومقالاتهم على الانترنت.
وإذا كان الصينيون قد تجرؤا في عام 1989 على قتل مئات أو آلاف من المعارضين المعتصمين سلميا في ميدان تياننمين، في مذبحة تاريخية ضد أبناء وطنهم، فكيف سيفعلون بمن يعارض مصالحهم من الغرباء، وإذا كانوا يعتقلون مئات الألوف في سجونهم دون إذن قضائي، لأنهم عبروا عن آرائهم، فما تتوقع منهم تجاه حرية التعبير في العالم إذا ما أصبحوا القوة العظمى فيه؟
وبالنسبة للنفط الذي تبدو الولايات المتحدة أكثر الدول شغفا للحصول عليه، فان الصين لم يبلغ بعد حجم استهلاكها نفس حجم استهلاك أميركا، فهي تستهلك نحو 4,956 مليون برميل يوميا، تنتج منها 3.392 مليون برميل، فيما تستهلك الولايات المتحدة قرابة 19,650 مليون برميل يوميا، تنتج منها 7.800 مليون برميل فقط، ولنا أن نتوقع كيف سيشن الصينيون حروبهم إذا ما حكموا العالم من اجل الحصول على النفط.

الناشر موقع "ميدل ايست اونلاين" 13-7-2005
باحث وصحافي مصري *

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية