خبيرة أمريكية: علماء الأزهر تعاملوا معي باحتقار.. والدول الإسلامية ينقصها حرية الاكتشاف الفكري
فور وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001، أرسلت بها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش إلي منطقة الشرق الأوسط،، فزارت عددا من البلدان العربية، من بينها مصر واليمن، لترصد - كخبيرة متخصصة في شئون العالم الإسلامي - اتجاه الريح، وتجيب عن سؤال طرح علي نطاق واسع في الولايات المتحدة وقتها: لماذا يكرهوننا؟
ومع صعود الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما، لازالت الدكتورة جنيفر بريسون واحدة من الخبراء الذين يصغي إليهم متخذو القرار في واشنطن فيما يخص الشأن الإسلامي.
إلتقتها "المصري اليوم" في مدينة "برينستون"، بولاية نيوجيرسي، وكان هذا الحوار:
ما هو الهدف من المشروع الذي تقومين بإدارته حاليا تحت عنوان "الإسلام والمجتمع المدني"؟
اعمل حاليا بمعهد "ويثرسبون"، وهو مؤسسة فكرية مستقلة، وقد قمنا بتدشين مشروع "الإسلام والمجتمع المدني" في شهر يناير الماضي، ويركز المشروع علي 3 نقاط أساسية، وهي: الإسلام والتعددية، الإسلام والحرية الدينية، المجتمع المدني والخدمة العامة وموقف المسلمين من المجتمع المدني.
ومن خلال المشروع نعمل في مجال الأبحاث، ترجمة الكتب، كما قمنا بعقد أول حلقة دراسية للطلبة، والمحترفين، والخبراء المهتمين بالإسلام خلال الفترة من 3-7 أغسطس الجاري، الكثير من زملائي غير مسلمين، ووظيفتي أن اجعلهم يلتقوا بالمسلمين لتعرفوا علي وجهات نظرهم.
وخارج إطار عملي، فان معهد "ويثرسبون" بشكل عام يركز علي الأسئلة الأخلاقية، ويلتقي بيهود، ومسيحيين، ومسلمين، لان بعض الجماعات في هذه الأديان لديها اهتمام كبير بالإجابة عن هذه الأسئلة أكثر من أقرانها غير المتدينين (الملحدين).
من وجهة نظرك، كيف يمكن أن تتم عملية الإصلاح في العالم الإسلامي؟
هذا سؤال ضخم جدا، اعتقد أن أهم التغييرات التي تحتاج أن تحدث، هو إنشاء مساحات حرة ومحمية، وبها يمكن أن تحدث مناقشات مفتوحة، واكتشافات فكرية، لان في المجتمعات المسلمة يوجد الكثير من الناس الأذكياء، والمثمرين، كما أن هناك تقاليد وعادات غنية يمكن أن نستقي منها الأفكار، نحتاج إلي مساحات بين المسلمين وغير المسلمين، ونحتاج أكثر إلي أن توجد تلك المساحات الحرة بين المسلمين وبعضهم البعض، بهذا فقط يمكنهم أن يكتشفوا إجابات علي العديد من الأسئلة، عما يعنيه أن تكون مسلما في العالم الحديث.
هل تقصدي بالعالم الحديث، الغرب؟
لا، ليس في الغرب فقط، بل بشكل عام، كيف تتحمل مسئولياتك؟ وأنا بشكل شخصي لا أحب استخدام مصطلحات مثل "العالم الغربي"، و"العالم الإسلامي"، لان هذا ليس واقعي، فانا هنا أعيش ولي جيران مسلمين، وهم جزء من مجتمعي، أعتقد أننا يجب أن نفكر بدلا من تلك التقسيمات والحدود، في الإجابة عن أسئلة تهم الكائن البشري بشكل عام.
ما هي العقبات التي تواجه الإصلاح في البلدان الإسلامية؟
واحد من اكبر العقبات التي تقف أمام الإصلاح في الدول الإسلامية، هو غياب حرية الاكتشاف الفكري، والنقاش، فإنك حين تذكر الإسلام والحرية الدينية، يعتقد الناس إننا نتحدث عن الحرية بالنسبة لغير المسلمين في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وفي الواقع نحن نعني أيضا الحرية بالنسبة للمسلمين أنفسهم في البلدان المسلمة. ونري أن الحكومات تريد أن تقدم الإسلام وكأن له وجهة نظر واحدة، فيما تأتي بعض الجماعات الدينية علي جماعات أخري راغبة في فرض رؤاها عليها، دون السماح بالتنوع والاختلاف.
هل أنت ممن يعتقدون بأن تجربة الغرب يمكن أن تنجح في المجتمعات الإسلامية؟
حين ننظر إلي تجربة الأمريكيين الأوائل الذين أتوا إلي هذه القارة، وكانوا يريدون أن يمارسوا مناسكهم المختلفة بحرية، وبالطريقة التي يرونها مناسبة، هذه الرغبة أساسية بالنسبة لأي إنسان، وليس الإنسان الغربي فقط، وليست مرتبطة بثقافة بعينها، وفي عصر الإمبراطورية الرومانية، التي كانت تحكم أناس ينتمون لجماعات دينية مختلفة، لم تتدخل الحكومة في شئون الدين، اعتقد أن الحكومات يجب أن تركز في واجباتها، بدلا من أن تتدخل في كل شيء في نفس الوقت.
لديكم الكثير من المنظمات التي تعمل في مجالات الحرية الدينية، وحقوق الإنسان، وتنمية الفكر والمهارات، هل تعتقدي أن لدي العالم الإسلامي ما يوازيها، أم بحاجة لإنشاء نظير لها؟
لا اعتقد أن السؤال الصحيح هو هل توجد تلك المنظمات أم لا، لأنني حين انظر إلي الولايات المتحدة أجد عاملين أساسيين: هناك احترام للحرية الدنية من قبل الدولة، إضافة إلي ثقافة لدي الفرد تحمله مسئولية حماية هذه الحرية. في هذه البيئة، الكثير من الناس سواء كانوا مسيحيين يجمعون الصدقات ويساعدون في بناء بيوت للفقراء، أو مسلمين أسسوا منظمات منفصلة عن الحكومة تعقد لقاءات بين الشباب من ذوي المعتقدات المختلفة. لذلك اعتقد بان ما يحتاجه المسلمون هو نفس الشيء: حكومات تسمح بمساحة من الحرية، وثقافة تؤكد مسئولية الفرد لحماية هذه الحرية.
هناك اقتراح من داعية أمريكي مسلم بدعوة علماء من الأزهر إلي الولايات المتحدة ليتدربوا ويعرفوا المزيد عن حياة المسلمين الأمريكيين بواسطة دعاة يقيمون هنا، ما رأيك في هذا الاقتراح؟
أنا اعرف أن الأزهر لن يحب هذا الاقتراح.. ولكن، كي أكون صادقة، كامرأة غير مسلمة، قابلت رجال دين تعاملوا معي بشكل غير جيد، وكأنني امرأة غير متعلمة أو غير راشدة، وحين زرت الأزهر لم تكن تجربة ايجابية، ولكن بناء علي التجارب الايجابية التي قابلتها مع مسلمين هنا في أمريكا، عرفت أن ما حدث بالأزهر شأن ثقافي محلي، ولا يمثل الإسلام ككل، وهذا ما يجعلني اعتقد بأنه سيكون من المثمر أن يلتقي الطلبة والباحثون والعلماء الأزهريون بأناس لهم تجارب في مجتمعات أخري، ويشاهدوا مساحة حرية التعبير، التي هي واسعة في الإسلام، وليست ضيقة.
هل شعرتي بأن هناك اختلاف بين إسلام العرب وغيرهم؟
هناك فروق حتى بين الدول العربية وبعضها البعض، أنا زرت الصين في يوليو الماضي، وشاهدت المجتمع الإسلامي بها، ورأيت مساجد غاية في الروعة، لقد كانت صينية بكل معني الكلمة، كانت مختلفة تماما عن كل ما رأيت في حياتي، وهذا يستحق الاحترام، في هذا المجتمع كانت النساء أساتذة جامعات، ولاعبات شطرنج، ومسئولات في الحكومة، هذا الشكل من الانفتاح لم أشاهد نظير له في العالم العربي، وأتمنى أن يدرك المسلمون العرب أنهم يخلطوا ثقافتهم بالدين، في الأماكن الأخرى، يمارس الناس روح الإسلام، أما الثقافة فهي أمر مختلف، وهذا شيء مقبول.
ولماذا في اعتقادك المسلمون العرب مختلفون عن أقرانهم؟
هناك الكثير جدا من الأسباب التي تجعلهم مختلفين: هناك اختلافات في التاريخ، والأوضاع السياسية، وتحديات ثقافية، وانتشار للامية، وعلي سبيل المثال اللغة التي يتحدثها الناس في البلدان العربية في الشارع، تختلف عن اللغة المكتوبة، فيما تقترب لغة الشارع من اللغة المكتوبة في الدول الأخرى. قد تبدو مشكلة اختلاف اللغة المكتوبة عن لغة المخاطبة طفيفة، ولكنها في الواقع لها تأثيرات ضخمة جدا في الحياة الفكرية والفنون والدين.
هل مشكلتنا سياسية أم دينية؟
- لقد شاهدت مجتمعات مسلمة سعيدة، يوجد بها تعايش وتعاون بين النساء والرجال، المشكلة ليست في الإسلام، في المجتمعات الأخرى الإسلام عامل نهضة، يضمن حرية التعبير والفنون، ساعد علي ظهور موسيقي وفنون رائعة، والمشكلة في البلدان العربية لها الكثير من الأسباب، ولكن هناك أيضا فرص للتجديد، تجديد الثقافة، تجديد العلاقة بين الجنسين، وتجديد سياسي.