المنظومة المختلة!
بقلم: ياسر خليل
أن نعيش داخل نظام له اصول وقواعد متجانسة وواضحة تحكمه، افضل من ان نعيش دون نظام منسجم، او في ظل نظام متناقض ومتعارض مع بعضه البعض.
ميدل ايست اونلاين
ما الذي حدث لمصر؟ ولماذا وصلنا الي هذا الدرك الاسفل؟ وكيف يمكننا الخروج منه؟
لدي اجابة بسيطة وربما تنطبق على الكثير بلداننا العربية، وهي: ان هناك خللا في المنظومة التي نحيا بداخلها، يستوجب اما صيانتها على نحو صحيح او استبدالها كاملة باخرى متجانسة.
وسوف اشرح ما اعنيه في السطور التالية.
في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي نشر مقال تحت عنوان "احفظ معيارك لنفسك".
كان المقال يهدف الي مناقشة اسباب التوتر والصدام بين العالمين الاسلامي والغربي، وكيفية تجنب هذا الوضع التاريخي المتازم في معظم الفترات.
وجاء فيه: "من المهم النظر إلي كلتا الثقافتين علي أنهما منظومتان متباينتان، لكن كل واحدة منهما متكاملة ومتجانسة في ذاتها". وتضمن المقال رفضا لفكرة استيراد "قطع غيار" لا تتوافق مع منظومة ما خاضعة للاصلاح، سواء بالفرض او الرضاء، حتي لا يحدث خلل بها، ويتاجج الصراع.
سالني دبلوماسي اميركي شاب باهتمام (بعد ان قرأ المقال): "كيف لتلك البلدان (الاسلامية) ان تقوم بعملية الاصلاح دون استيراد الافكار والتجارب الناجحة من الخارج؟!".
قلت له: اعتقد بان النظامين الاسلامي والغربي مستقلان تماما، مثل جهازين من ماركتين مختلفتين.
وسألته: لو ان لدينا سيارة "بي ام دبليو" قديمة، بحاجة الي صيانة وتحديث بعض القطع الاساسية... هل يمكننا استخدم قطع غيار سيارة "شيفورليه" مثلا لانها الآن جديدة ورائعة في ادائها؟
اعتقد باننا امامنا احد خيارين: اما ان نقوم بالتعامل مع السيارة على انها من ماركة مستقلة بذاتها، ونسعى الى اصلاحها على هذا الاساس، ونستخدم قطع غيارها الاصلية، او ان نستبدلها بسيارة اخرى.
ورد الدبلوماسي الاميركي وابدي موافقته على وجهة النظر هذه (التي اطلق عليها وصف "نظرية").
منظومتنا الان (في مصر) نموذج واضح جدا لهذه السيارة غير المتجانسة الاجزاء، التي لا تستطيع السير خطوة او خطوتين دون مشكلات وعوادم وضجيج.
لقد حاولنا تحديثها، او تظاهرنا بذلك، فاستبدلنا مكوناتها الاصلية بقطعة من الغرب واخرى من الشرق وثالثة من الشمال ورابعة من الجنوب. لم ننقل او نخلق في عصرنا الحديث منظومة متكاملة ابدا.
هذه السيارة لا يمكن ان ندخل بها سباق الامم، بل ولا يمكننا ان ننتقل بها خطوة الى الامام، حتى ولو تم تغيير قادتها واحدا تلو الاخر. لقد بدأت ارضيتها تتاكل وبدأنا نتساقط تحت اطاراتها.
وربما حان الوقت لان نضع انفسنا امام احد الخيارين السابقين (وكلاهما ضخم التكاليف): اما ان نعمل على صيانة سيارتنا (منظومتنا)، ونعيدها سيرتها الاولى. او ان نتجه نحو استيراد سيارة اخرى كما هي، ودون عبث في مكوناتها.
في بلد تترواح نسبة المسلمين فيه ما بين 90% – 94%، ومعروف بميله الفطري للتدين منذ فجر التاريخ، فان الميل لاصلاح منظومته (الاسلامية) سيكون هو الاقوى. سينزعج غير المسلمين ويشعرون بخطر يهدد عقيدتهم وربما وجودهم ايضا.
ولو تقرر (بطريقة ما) استبدال المنظومة باخرى جديدة (غربية على سبيل المثال)، سيحدث العكس، وسينزعج المسلمون، وسيشعرون بان دينهم هو المستهدف، وقد يتطور الامر الى مواجهات واعمال عنف.
وفي واقع الامر لو فكرنا قليلا بحياد، سنجد ان الوضع الراهن هو الاخطر على الطرفين. ان نعيش داخل نظام له اصول وقواعد متجانسة وواضحة تحكمه، افضل من ان نعيش دون نظام منسجم، بل يمكن ان يوصف بانه متناقض ومتعارض مع بعضه البعض. لذا يجب ان يكون قرارنا واقعيا لا عاطفيا، ويجب ان يكون سريعا ايضا، لان الامر لم يعد يحتمل الانتظار.
ياسر خليل، باحث وصحافي مصري
yasserof2003@yahoo.com