الناشر جريدة "المدينة" السعودية - في يوم 16 يونيو 2006
أكد الباحث المصرى ياسر خليل أن العالم سيواجه فى غضون عقدين أو ثلاثة نوعاً جديداً من العولمة ربما تفوق ضراوة معاركة ما حدث فى مرحلة الأمركة بكثير وهذه المرحلة الجديدة هى " التصين " أو صعود الصين لزعامة العالم ، وستمثل هذه المرحلة خطراً متفاقماً يهدد العالم أجمع بما فيه العالم العربى والإسلامى ، مشيراً إلى أن الصورة الجيدة فى عقول غالبية الناس هى صورة غير واقعية وقد بدات التنبؤات بصعود الصين إلى مرتبة القوى العظمى الثانية فى العالم تقترب من التحقق وظهر للعيان أن بكين لديها القدرة على تخطى الولايات المتحدة إقتصادياً وعسكرياً فى غضون عقد أواثنين على الأكثر وأن ذلك سيحدث بحلول عام 2015 إذا ما استطاع هذا البلد الآسيوى الحفاظ على معدلات نمو إقتصادى مرتفعة ، وهذه التطورات تأتى فى وقت تتوقع فيه نسبة غير قليلة من الناس أن يحدث توازن فى النظام العالمى بصعود الصين التى يفضلها الكثيرون فى انحاء العالم ، مقارنة بالولايات المتحدة ويزداد تفضيلها خاصة فى العالمين العربى والإسلامى .
وأضاف فى دراسة حديثة له بعنوان " صعود الصين .. التصين العولمة المرتقبة " أنه إذا ما صعدت الصين إلى مرتبة القوى العظمى الثانية ربما يحدث نوع من توازن القوى المؤقت فى النظام العالمى ، ولكن بكين سرعان ما ستتمكن من الإنفراد بزعامة العالم نظراً لما لديها من إمكانيات بشرية وإقتصاديه وعسكرية وسياسية ضخمة وبالتالى فإن التوازن لن يدوم طويلاً كما يرجو البعض وستبدأ الصين فى فرض رؤاها على العالم ، وحينها ستبدو المعارك التى شهدها العالم فى عصر العولمة أو ما اطلق عليه " الأمركة " كرحلة ترفيهية مقارنة بما سيحدث فى ظل العولمة الجديدة التى يمكن أن يطلق عليها اسم " التصين " وسيكون الأكثر تضرراً فى مرحلة هيمنة الصين على العالم ونشرها لثقافتها هم أصحاب الديانات الإبراهيمية الثلاث " اليهودية والمسيحية والإسلام " بشكل خاص وأصحاب العقائد الدينية والأيدلوجيات السياسية المخالفة للنظام الصينى الحاكم بشكل عام ، موضحاً أنه يعيش فى الصين ما يقرب من 1،3 مليار نسمة منهم 18 مليون مسلم بنسبة تتراوح مابين 1 إلى 2% و52 مليون مسيحى بنسبة تتراوح ما بين 2 إلى 4% وتعتنق النسبة الغالبة ما يصل إلى 94% العقائد الطاوية والبوزية والكونفوشية وقد دخلت المسيحية والإسلام إلى الصين فى القرن السابع الميلادى ومع هذا لم يحققا انتشاراً واسعاً .
واشار إلى أن الصين تستخدم القمع الدينى كسوط فى وجه الإيغور المسلمين فى إقليم إيغور كسينجيا نغ المتمتع بالحكم الذاتى والغنى بالنفط فى شمال غرب الصين والذى يصل عدد المسلمين فيه حوالى 8 ملايين مسلم ، وتمتد الرقابة الدينية والتدخل القسرى ليطال تنظيم النشاطات الدينية وممارسيها والمدارس والمؤسسات الثقافية ودور النشر وحتى المظهر والسلوك الشخصى لأفراد الشعب الإيغورى ، وتقوم السلطات المركزية بتقييم كل الأئمة سياسياً بشكل منتظم وتطالب بجلسات " نقد ذاتى " وتفرض رقابة على المساجد وتطهر المدارس من المعلمين والطلاب المتدينين " نزوع انفصالى " وهو يعتبر حسب القانون الصينى جريمة ضد أمن الدولة تصل عقوبتها إلى الإعدام ، لافتاً الإنتباه إلى أن الإيغور يتعرضون للمضايقات فى حياتهم اليومية إذ من المحظور عليهم تماماً فى مؤسسات الدولة بما فيها المدارس والإحتفال فى ايام عطلهم الدينية أو دراسة النصوص الدينية أو أن يظهر الشخص دينه من خلال مظهر شخص ما ، فالحكومة الصينية هى التى تختار من يمكن أن يصبح رجل دين وماهى النسخة المقبولة من القرآن وأين يمكن أن يعقد التجمعات الدينية ، ولأن الصين ترى فى الإسلام دعامة للهوية العرقية الإيغورية فإنها اتخذت خطوات قاسية جداً لإخماد الإسلام بهدف إخضاع المشاعر القوميه عند الإيغور .
وأشار إلى أن الإنفاق العسكرى المتصاعد للصين يثير مخاوف الكثير من البلدان خاصة اليابان والولايات المتحدة وقد وصل إنفاقها العسكرى فى عام 2005 إلى 29،9 مليار دولار وعلى الرغم من هذا الرقم الكبير إلا أن كثيرا من المحللين أكدوا أن حجم الإنفاق الفعلى للصين يصل إلى ثلاثة أضعاف ما تعلنه بكين رسمياً ، وعلى الصعيد الإقتصادى بلغ الناتج الإجمالى المحلى نحو 2 تريليون دولار أمريكى بمعدل نمو 9،9% فى عام2005 ، كل ذلك يوحى بأن العالم سيشهد وضعاً كارثياً إذا صعدت الصين كقوة عظمى فالإحتياجات المتنامية للصينيين مع ازدهار اقتصادهم على جانب تراثهم الثقافى الذى يختلف مع معظم بلدان العالم خاصة الإسلامية والمسيحية ، ورؤيتهم فى تسيير أمورهم الداخلية ستنعكس بشكل سلبى على العالم ، خاصة إذا نجحت الصين فى إيجاد وتوطيد تحالفات إقليمية ودولية ، تسهم فى تحركها دون عوائق نحو الحصول على احتياجاتها من الموارد ونشر ثقافتها عالمياً فى المستقبل .