Yasser Khalil

مدونة تضم بعض اعمال الباحث والصحافي المصري ياسر خليل.

2007-09-15

تفريغ الدائرة .. مراجعات للقضاء على الإرهاب

بقلم: ياسر خليل
الناشر: موقع ميدل ايست اونلاين -2007-09- 15- اضغط هنا لمشاهدة المقال
مهما كانت عدالة قضية المقاومة، لكنها لا تتيح لاحد قتل المدنيين الابرياء.
"الإرهاب"... وضعت الكلمة داخل علامتي الاقتباس لان مفهومها غير محدد بصورة دقيقة، حتى بعد مرور 6 سنوات من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة عليه. هذا جزء حيوي من الأزمة – الصياغة المطاطية – وهو ما يفقد الحرب الدعم من قبل فئات هامة يمكن أن تؤثر بقوة في مسار الحرب.
والجانب الأكثر حيوية وخطورة، هو الأسلوب الذي تدار به المعركة، لأنه يجعل دائرة الإرهاب تستقبل ولا تطرد، وتحشد حولها المزيد من المشجعين والداعمين معنويا وربما عمليا.
يقول الدكتور وولتر لاكير المدير السابق لـ"مجلس الأبحاث الدولي" في واشنطن، أن هناك أكثر من مائة تعريف للإرهاب، وانه "وضع شخصيا تعريفين أو ثلاثة. إلا انه ما من تعريف مرض تماما بين هذه التعريفات" ("الإرهاب: تاريخ موجز"، مجلة E-Journal عدد مايو 2007).
ويضيف الدكتور لاكير "لقد قيل أكثر مما ينبغي، في رأيي، حول عنصر 'الأهداف غير المحاربة'. إذ ليس هناك جماعة إرهابية في التاريخ اقتصرت هجماتها على جنود أو رجال شرطة".
وحتى نخرج الكلمة من بين علامتي الاقتباس، اقترح أن نقصر مفهوم الإرهاب على الجانب الذي يعد قاسما مشتركا، ويحظي بقبول واسع وسط العامة والنخبة.
وهو انه "عنف متعمد، تحركه دوافع سياسية، ترتكبه جماعات أو عملاء سريون، ضد أهداف مدنية". وسنتجنب استخدام الجملة - المطاطة - التي طال الجدل والخلاف بشأنها وهي "أهداف غير محاربة"، ونستخدم بدلا منها "أهداف مدنية".
إذا تم قبول هذا الاقتراح، ولو بشكل مبدئي، يمكن أن ننتقل الى الخطوة التالية، وهي العمل على تفريغ دائرة الإرهاب من عناصره وجماعاته، بأساليب مختلفة، تتجنب وقوع اكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية.
في داخل الدائر التي تستهدفها واشنطن وحلفائها (خاصة الغربيون)، يوجد نوعان من الجماعات "الإرهابية".
النوع الأول، يضم تنظيمات توجه ضرباتها في المقام الأول ضد المدنيين، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة والجماعات التي أعلنت ولائها له. وهذا النوع لا يوجد خلاف على كونه يرتكب جرما، ويعتبره إستراتيجية ثابتة له.
النوع الثاني يستهدف إجلاء الاحتلال عن أراضيه، ويوجه عملياته ضد القوي العسكرية المحتلة، ولكنه يقوم في بعض الأحيان بارتكاب هجمات ضد مدنيين، ويضم في مقدمته الجماعات الفلسطينية، مثل "حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، و"حزب الله" اللبناني.
وهذا النوع يوجد عليه خلاف واسع بين العالمين الغربي والإسلامي، فالغرب يعتبرها تنظيمات إرهابية، فيما نعتبره نحن في العالم الإسلامي حركات مقاومة شرعية.
وحل الخلاف الناشئ بشأن النوع الثاني، سينطوي على مصالح للطرفين، لأنه سيجعل لكلمة "الإرهاب" مفهوما واضحا، موحدا، وسيضعه في خانة الجرائم التي يستنكرها الجميع، وسيجتذب مؤيدين جدد للحرب عليه، لأنه يهددنا مثلما يهدد الغرب، وسيثني جماعات المقاومة عن الانزلاق في تلك الأعمال.
نحن نريد أن نخرج فصائل المقاومة المشروعة من دائرة الإرهاب المستهدف، ولا يجب أن نتوقع، أن حل هذا الخلاف سيحدث برفع الولايات المتحدة أسماء فصائل المقاومة من على قوائم الإرهاب لمجرد مطالبتنا بذلك، ودون تغيير جوهري مقنع.
هناك جزء خاص بتلك الفصائل، وهو تصحيح الخطأ أو الأخطاء. وواجب متعلق بنا نحن، وهو أن نناصرهم ولكن بالمفهوم الصحيح للمناصرة، وهو إعادتهم الى الطريق السليم إذا ما رأيناهم يخطئون الطريق وسط هذه المعارك الحامية، المربكة.
ولابد أن اعترف أن الأمر بالغ الصعوبة، فكاتب هذه السطور، ظل حتى وقت قريب، لا يرى أي مبرر لوضع فصائل المقاومة خاصة الفلسطينية على لائحة الإرهاب، ولم يكن يتقبل وصمها بهذه التهمة، وكان يرى ما يترتب عليها من ردود فعل دولية، أمر جائر. ولكني حاولت أن انظر الى الأمر بطريقة مختلفة، وافهم كيف يفكر الطرف الآخر، ففهم وجه نظره سيكون جزءا من الحل.
تساءلت: ماذا لو أن أخا طيبا، نحبه، ونقدره، يفعل الكثير من أعمال الخير والبر، وفجأة ارتكب جريمة قتل، واعترف بها، وتباهى، وقال أن القتل سيكون ضمن خياراته للحصول على مطالبه المشروعة.
ما هي الصفة أو اللقب الجديد الذي سوف يحمله هذا الرجل؟ سوف يحمل لقب قاتل بلا شك، وستكون هذه هي الصفة الأكثر بروزا له أمام الآخرين، ولن يفيد إذا أنكرنها عنه، بدافع حبنا وتقديرنا له.
يفترض أننا اتفقنا على أن الإرهاب بالمفهوم السابق ذكره (مهاجمة أهداف مدنية) جريمة.
وما حدث من حركات المقاومة العربية الموضوعة على قوائم الإرهاب مماثل لما فعل صاحبنا الطيب، فهم يخوضون نضالا مشرفا ضد قوى الاحتلال، وهذا النضال تقره كل المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية، وخاضته كل الشعوب الحرة، ولكنهم في ذات الوقت ارتكبوا هجمات وعمليات مسلحة ضد مدنيين، واقروا بذلك، بل ونشروا البيانات لنسبها لأنفسهم، ومن ثم التصقت بهم تهمة الإرهاب، كما التصقت جريمة القتل بالرجل الصالح الذي تحدثنا عنه سابقا.
ربما لا يملك هذا الرجل فرصة للعودة عن خطأه، ولن يفلت من حكم الإعدام أو السجن مدى الحياة. لكن الحركات السياسية تملك ذلك إذا قررت التراجع عن تلك الأعمال (الإرهابية)، وأقرت بأنها جريمة، وأنها لن تكون ضمن خيارتها في المستقبل، مع احتفاظها بحق المقاومة ضد قوات الاحتلال إذا ما أثبتت مراجعة رشيدة ومنصفة ضرورة استخدام هذا الحل. والمراجعات، وسعى مفكرو تلك الحركات لإيجاد حلول مشروعة، وجديدة، للنضال يضيف الى رصيدهم، ولا يخصم، ويدل على النضوج والتطور.
وقد يجادل البعض بان فصائل المقاومة الفلسطينية و"حزب الله" اللبناني، حين يقومون بهجمات مسلحة، أو يطلقون الصواريخ داخل المدن الإسرائيلية، لا يقتلون مدنيين، لان إسرائيل ليس فيها مدنيين، أو لأن وجود إسرائيل ليس مشروع أساسا.
هنا نحتاج الى أن نلتفت الى أمرين هامين. الأول هو أننا كثيرا ما ندافع عن حق المقاومة، ونحتج بان كل المواثيق والأعراف الدولية تقره، وننتقد المجتمع الدولي إذا ما قصر في تقديم الدعم المادي أو المعنوي للفلسطينيين، مثلما حدث (على المستوى الشعبي والإعلامي عندنا) على سبيل المثال، حين تولت حماس السلطة، وتعرضت لحصار دولي بعد انتخابها ديمقراطيا.
هذا يشير الى أننا نعترف بان للمجتمع الدولي دور في حياتنا، ونستند الى قوانينه للدفاع عن قضايانا العادلة، ومن ثم يجب أن نحترم تلك القوانين وذلك المجتمع الذي اقرها. تلك القوانين والمجتمع الدولي الذي وضعها أقرت بوجود إسرائيل واعترفت بها كدولة. واعتبرت الإرهاب جريمة.
الأمر الثاني هو القول بأنه ليس هناك مدنيين في إسرائيل، وان جميع المواطنين هم جنود في الجيش، وهذا القول غير دقيق لعدة أسباب، كل الأطفال تحت سن الثامنة عشر ليسوا جنودا، وهناك من يصل الى سن التجنيد ويحصل على "بروفيل 21" ولا ينضم الى الخدمة الإجبارية، ونسبتهم غير قليلة، وكذلك المسنون ليسوا جزءا من الجيش، وبعض العرب الإسرائيليين الذين يرفضون أو يتهربون من الالتحاق بالجيش، وهؤلاء جميعا مدنيون.
وجدير بالملاحظة بأنك حين تضرب هدفا مدنيا، مثل حافلة نقل ركاب، أو مطعم، أو سوق، أو حي سكني، لا يكون لديك علم بمن هم المدنيون، ومن هم جنود الجيش، ولن يمكنك تجنب هؤلاء. يضاف الى هذا أن الجندي الذي تقتله في منطقة مدنية وقت إجازته، يكون في الغالب اعزل، وهذا ليس شرفا أن تقتل شخصا اعزل، وجريمة مؤكدة أن تقتل مدنيين.
لو استطعنا أن نخرج قوى المقاومة خارج دائرة الإرهاب، سيبقي تفريغ الدائرة من الإرهابيين الحقيقيين. وهنا يأتي دور الأمريكيين وحلفائهم، خاصة من الدول الإسلامية التي لها رعايا منخرطون في أعمال إرهابية.
اعتقد أن الهدف الأحق بالاهتمام، هو القضاء على الإرهاب كجريمة، وليس القضاء على حياة الإرهابيين أنفسهم. قيل أن أميركا قتلت نحو 80% من قادة "القاعدة" بعد غزوها لأفغانستان في 7 أكتوبر 2001، واليوم "القاعدة" أعادت تشكيل صفوفها، وأضحت اقوى مما كانت عليه قبل عام 2001.
وربما سيكون من الحكمة أن تفتح الدائرة المغلقة، للخروج، فدائرة الإرهاب حاليا تسمح بدخول الراغبين إليها، لكنها لا تسمح بخروجهم منها. وفي داخل هذه الدائرة أصناف من الناشطين، منهم من دخلها مغررا به، ومنهم من دخلها راغبا في الدفاع عن دينه ويظن أن هذا هو الطريق الصحيح، ومنهم من يعمل لخدمة أغراض خاصة به ويتخذ من الدين وسيلة وستارا لتحقيقها. وربما توجد أصناف أخرى يمكن التعرف عليها عبر البحث والدراسة المعمقة.
لكن جوهر الفكرة، هو أن تفتح الدائرة، أمام من يريد الخروج منها، وتخاطب كل شريحة بالخطاب المناسب لها، وتتخذ الإجراءات الكفيلة ببناء الثقة وإنهاء الأزمة وعدم تكرارها.
فعلى سبيل المثال، الشريحة المغرر بها، لو تأكدت أنها سوف يسمح لها العودة الى بلادها دون أن تقضي ما تبقى من عمرها في غياهب السجون وتحت وطأة التعذيب، سوف تسعي الى الهروب من الكابوس الذي تعيش فيه حاليا داخل شبكات الإرهاب، وبعد أن يتم التأكد من صدق نواياهم، يجب أن يحرروا بالفعل، وتسلط عليهم الأضواء الإعلامية حتى يكونوا نموذجا يعطي الطمأنينة لمن يرغب في اللحاق بهم من عناصر الشبكة.
الشريحة التي ترغب في نصرة دينها، من الضروري أن يتم التحدث لها باللغة التي تفهمها، وهو الخطاب الديني، من قبل علماء مقتدرون يقدمون الحجج الدينية الصحيحة، التي توضح أن ما يقوم به تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإرهابية المماثلة خطأ وجريمة تضر بالدين وبالمسلمين.
ومن الضروري أيضا أن تبرهن الولايات المتحدة والغرب بشكل واقعي ومقنع على عدم وجود نية لديهم بالتدخل في شئون الدول الإسلامية أو الدين الإسلامي مستقبلا، بالصورة التي أثارت حفيظة الكثيرين.
وهكذا، تخاطب كل شريحة ويفتح لها الباب للخروج، ويتم التأكد من نية عناصرها ورغبتهم في الحياة كمواطنين صالحين في بلدانهم.
ستتوالى الموجات المتدفقة الى خارج الدائرة الى أن تفرغ شيئا فشيئا، ويتبقى المعاندون، وأصحاب المصالح، وغالبا سيكون عددهم قليلا جدا، ومن ثم سيمكن اعتقالهم أو القضاء عليهم، خاصة وان فئات متزايدة من المسلمين وعلماء الدين سيتعاونون (وهذا أمر حاسم) بعد أن تبنى الثقة في أن الحرب الجارية موجهة ضد جريمة الإرهاب، وبهدف تأمين المدنيين، وليست ضد دينهم أو أوطانهم.
ياسر خليل
باحث وصحافي مصري

Yasserof2003@yahoo.com

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية