Yasser Khalil

مدونة تضم بعض اعمال الباحث والصحافي المصري ياسر خليل.

2007-09-09

بن لادن وتحويل الأمريكيين الى الإسلام!

بقلم: ياسر خليل
الناشر: موقع ميدل ايست اونلاين -2007-09- 09 - اضغط هنا لمشاهدة المقال
لا يمكن تشبيه رسالة زعيم القاعدة الاخيرة مع الرسائل التي بعثها الرسول (ص) الى الحكام والملوك والقبائل يدعوهم فيها إما الى الإسلام أو الحرب أو الجزية.
كان شيئا مثيرا للاستغراب والاستنكار ما قاله أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في شريطه الأخير. فقد حدد خيارين للأمريكيين: إما الإسلام، وإما تعرضهم لخطر الإرهاب.
ربما يؤيد الكثير من الشباب المسلم (سرا أو علنا) ما قاله بن لادن، ويخلط بينه وبين الرسائل التي كان يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحكام والملوك والقبائل، يدعوهم فيها إما الى الإسلام أو الحرب أو الجزية.
وجوهر الاختلاف هنا، يأتي في أن الرسول (ص) كان يفعل ذلك ليوفر حرية العقيدة لمن يريد أن يؤمن، وسط جو من الاضطهاد والقتل لكل من يدخل الدين الجديد.
الآن في أمريكا وأوروبا، المساجد والمراكز الإسلامية تحاط بحراسات مشددة، بل ويعتقل ويحاكم من يسعى الى المساس بأمنها أو بأمن المسلمين، ويحاكم من يضطهد شخص على أساس ديانته أو عرقه. هناك جو يحمي حرية العقيدة، خاصة في أمريكا وبريطانيا. وللحق، هناك بعض الانتهاكات من قبل بعض المتطرفين أو الغاضبين، ولكنها غير قانونية، وتعتبر جريمة، ويعاقب من يقترفها.
ومن ثم فلا تشابه بين التهديد الذي يوجهه بن لادن، والجرائم التي يرتكبها، هو وأعضاء تنظيم القاعدة، وبين دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لحماية حق الاعتقاد، بعد أن ذاق المسلمون 13 عاما من التعذيب والقتل والضغوط على المسلمين الجدد لترك الإسلام.
بن لادن لا يدعو الى الإسلام (حسبما افهم)، ولكنه لا يعجبه ما يحدث في الغرب، لا يعجبه شرب الخمر، والحرية الجنسية، وفوائد البنوك، وما الى ذلك. هو يقيس الأمور من وجهة نظره. فهل هذا صحيح. وهل نقبل كمسلمين أن يفعل معنا غيرنا بالمثل؟ أود أن أناقش هذه الموضوع بشكل عام، في السطور التالية، فاسمح لي.
اعتقد أن منبع الأزمات الثقافية والدينية، وما ترتب عليها من صراعات تاريخية، بين العالمين الغربي والإسلامي بشكل عام، وربما هو أيضا ما أسهم بدرجة كبيرة في افرز بن لادن وغيره من المتطرفين في الحضارتين، هو قياس مدي صحة فعل الآخر بمعايير مصدرها ثقافة ومعتقدات الطرف القائم بالقياس والمقارنة، هذا ما يخلق الصراع والاختلاف. وما يوطده أن كلاهما يشعر بأنه مكلف بأداء رسالة عالمية.
هذا الخطأ في القياس لا يعفي منه، لا المسلمون، ولا الغربيون المسيحيون أو العلمانيون.
فهذا النوع من القياس، يتعارض مع مبدأ الحرية الدينية عند الغربيين، وعدم الإكراه في الدين عند المسلمين، فليس من المنطقي أن يكون لدي قناعة راسخة وصادقة، بأنك من حقك أن تختار عقيدتك الدينية بحرية، ودون أن أكرهك على اعتناقها، ثم اعتقد انك مخطئ، ويجب أن تغير ما تفعله، لأنك لم تلتزم بما أؤمن أنا به في قضية معينة، ففي هذا تناقض واضح جدا.
وعلى سبيل المثال، مسالة الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة (خارج إطار الزواج)، لها رؤى مختلفة عند المسلم والمسيحي والعلماني، فهي عند المسلم تعد من كبائر الذنوب لو ارتكبت خارج إطار الزواج الشرعي، وتستوجب عقابا صارما، فيما يتحدث عنها المسيحي الغربي على أنها أمر من المفضل أن يحدث في إطار الزواج، ولكن إن حدث خارجه فهذه خطيئة ولكنها في نهاية الأمر مسألة بين الإنسان وربه، أما العلماني فسيتناولها من منظور الحرية الشخصية، وان الجسد ملك لصاحبه يفعل فيه ما يشاء.
هذه الرؤى، يترتب عليها الكثير جدا من الأمور المتعلقة بمساحات الاختلاط بين الجنسين، والزى، والعمل، ومتابعة الأفلام والمشاهد المثيرة، وغير ذلك. أنها منظومات متكاملة.
لان مدى خطورة القضية تحدد في نفوسنا تلقائيا عبر نوع العقاب المرتبط بها، في معتقداتنا، أو في قوانيننا. فإذا كان العقاب قاسيا، نعلم انه أمر يجب الحذر منه، وعدم الاقتراب من أي شيء قد يؤدي إليه. أما إذا كان الأمر دون عقاب، أو يستوجب فقط اللوم والنهي الشفهي، لا نشعر بالحرج أو الخطر ذاته حين نقترب منه، أو من أي شيء من المحتمل أن يؤدي إليه.
ربما يمكننا أن نتفق على أن الحياة مرحلة للاختبار، أو فرصة، ومن حق كل إنسان أن يأخذ فرصته كاملة، دون أن يتعدى على فرص وحريات الآخرين، خاصة إذا لم يكن لنا يد في منحها إياه، وإنما منحها له من أوجده (الله، الطبيعة، الصدفة، بغض النظر عن ما تؤمن به).
وقد يكون هذا هو المنطلق المنطقي للحرية الدينية، أو عدم الإكراه في الدين. من يؤمن بالبعث والحساب يحتاج هذه الفرصة، لأنه بعد البعث سيجني حصاد أعماله ومعتقداته في الدنيا، ومن لا يؤمن بالبعث يحتاج إليها لأنه يريد أن يستمتع بها أو يستغلها كيف يشاء.
إذن، ماذا لو جاء المسلم لمن لا يؤمن بعقيدته، وقال له أنت تخطئ لأنك تشرب الخمر أو "تزني" وهذا من الكبائر وتستوجب العقاب؟ أليس هذا تحميل له بالتزامات دون مقابل (الجنة)، وأليس هذا اقتطاع من فرصته التي منحت له من خالقه؟
وهذا النموذج من القياس الخاطئ لسلوك الآخر، مثلما يحدث من قبل المسلم، فانه يحدث أيضا من قبل المسيحي واليهودي والعلماني وغيرهم حين يقيسون سلوك المسلم وأحكام الإسلام، وحين يقيس بعضهم سلوك بعض أيضا.
إذن يمكن أن يقتطع احدنا من فرصة الآخر حين يقيس من منظوره هو، وبمعاييره ومعتقداته التي لم يختارها الآخر كمنهج وأسلوب للحياة، وبالتالي فانه لا يقع عليه وجوب الالتزام بها.
الاختلاف العقائدي أو الأيدلوجي، لا يمنع من أن هناك الكثير من الأرضيات المشتركة التي يمكن أن تجمع وتقرب بين الحضارتين، ومن تلك الأرضيات ما هو جلي، يمكن التعرف عليه بسهولة، مثل جنسنا البشري الواحد، إنسانيتنا، التي توفر مساحة كبيرة جدا من الأرض المشتركة للتعاون في مجالات مثل محاربة الفقر والمرض وتطوير العلوم والتقنيات النافعة للبشرية وغير ذلك الكثير.
ومنها ما هو مشوش، بسبب عدم الاتفاق على وحدة القياس، ولكن المسافة واحدة في حقيقة الأمر، فالخلاف على حقيقة هذه النوع من الأرضيات يبدو مثل خلاف بين شخصين يتصارعان بحدة، على ما هو طول مساحة من الأرض تبلغ 16 ألف متر، فاحدهما يرى أنها 16 كيلومتر، فيما يرى الآخر أنها 10 أميال، وكلاهما صحيح، ولكن يبقى الاتفاق على أن الميل يساوي 1,6 كيلومتر، والكيلو متر يساوي نحو 0,62 ميل، ولكن في النهاية المسافة واحدة ومتطابقة.
هذا النوع من الأرضيات، اعتقد أن مساحته شاسعة جدا، ولكنها تحتاج الى من ينقب عنها بأفق واسع، وقلب منفتح لا يتعارض مع مبادئه ومعتقداته، ولكنه يتقبل وجهة النظر الأخرى بصدر رحب، ويستمع إليها حتى يزول التشويش. فالاستفادة بما في رأس غيري من خبرات وأفكار أفضل من تدمير هذا الرأس الذي يمكن أن يضيف الكثير لجنسنا البشري المهدد بأخطار وكوارث طبيعية ومناخية وصحية لا حصر لها.
ياسر خليل
باحث وصحافي مصري

Yasserof2003@yahoo.com

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية