التقدم والرجعية وقضية 'تحرير' المرأة
هل سفور المرأة دليل على تقدمها وارتدائها الحجاب او النقاب برهان على تخلفها؟
يهاجم البعض الإسلام لأنه يمثل – من وجهة نظرهم – "تخلفا" وعودة الى الوراء لأكثر من 1400 عام. أو باختصار هم يصفون المسلمين بأنهم رجعيين، والغربيين بأنهم متقدمين.
مثلا، يقولون هذا حين يتحدثون عن ثياب "المرأة العصرية" مقارنة بالحجاب والنقاب، وأمور اخرى كثيرة، من الصعب أن نتطرق إليها جميعا في هذه السطور المحدودة. وسنركز أكثر على ثياب المرأة، لان البعض يعتبرها مؤشرا على الرجعية والتقدم ومدى تحرر المرأة والمجتمع.
وقد استعانت احدى منظمات حقوق المرأة في مصر بحادثة، معتبرة أنها ضمن مشوار تحرير المرأة، وتقول: "كان سعد زغلول أول من نزع الحجاب عن المرأة المصرية، عندما دخل بعد عودته من المنفى الى سرادق المستقبلات من النساء فاستقبلته هدى شعراوي بحجابها، فمد يده ونزع الحجاب عن وجهها وضحك" (ملزمة أصدرها "ملتقى المرأة العربية" – القاهرة – فندق شبرد في الفترة من 22-24 مايو 2003، نظمه "المركز المصري لحقوق المرأة").
من الأكثر رجعية؟
التقدم يعني أن نسير الى الأمام (أو في المقدمة)، فيما تعني الرجعية العودة الى الخلف (أو السير في المؤخرة).
السمة المميزة بين الزيين الغربي والإسلامي هي مدى ستر أو كشف جسد المرأة. تتسم الثياب الغربية غالبا بوصف جسد المرأة أو كشف أجزاء منه، بينما تتسم الملابس الإسلامية بستر جسدها من الشعر الى القدمين (مع جواز الكشف عن الوجه والكفين)، وينطبق الزى الإسلامي على كل ما لا يشف ولا يصف من الثياب.
ويقدر بعض العلماء عمر الإنسان على كوكب الأرض بملايين السنين، وقدره البعض بنحو 30 مليون سنة. كان الإنسان في بداياته الأولى على هذا الكوكب عاريا، وقد حاول ستر جسده بأوراق الشجر، وبمرور الوقت ومع تطور الحضارة الإنسانية، بدأ الإنسان في تغطية جسده شيئا فشيء. وستر الجسد هو الأحدث (تاريخيا) مقارنة بالعري الذي يعود الى ملايين السنين، وكان ستر الجسد من خلال ارتداء الثياب مواكبا للتحضر ولإدراك الإنسان لتأثير جسده (وخاصة جسد الإناث) وليس العكس.
والسؤال هنا: من هو الأكثر رجعية؟ هل هو الذي يعود الى 1400 عام، أم الذي يعود الى 30 مليون سنة؟ اعتقد أن الذي يعود الى ملايين السنين أو يكون أكثر قربا مما كانت عليه الصورة وقتها (من عراء للجسد) هو الأكثر رجعية. هذا لو اعتبرنا أن المقياس الصحيح هو الزمن، وفقا لما يستخدمه الكثير من منتقدو "رجعية" المسلمين، أو بتعبير أدق رجعية الأصوليين الذين يعودون الى أصل الدين.
أما إذا كان المقياس هو مدى الحرية، فإننا إذا ما رجعنا الى ما قبل الإسلام، فسنجد أن بنات سادة العرب، كن يرتدين ثيابا تستر أجسادهن بشكل كبير إذا ما قورنت بثياب الجواري اللاتي يستخدمن في تجارة الجنس، فالأخريات كن بحاجة الى إبراز مفاتن أجسادهن، لحكمة، وهي أن تلك الأجساد تعرض على أنها بضاعة بحاجة الى الترويج، وجذب للزبائن. أما بنات السادة فأجسادهن ليست متاحة للبيع، وبالتالي ليس من الحكمة عرضها، كما أنهن يجب أن يتميزن عن الجواري حتى يعرف الجميع أنهن من الأحرار.
وتعرية الجسد بهدف العرض للتجارة به، لازالت موجودة في عصرنا الحديث. ويمكن أن نرى في تركيا وفي الدول الغربية فترينات بها نساء عاريات يعرضن أجسادهن لجذب الزبائن الراغبين في الاستمتاع مقابل النقود. وفي واقع الأمر أن المرأة التي تعمل في تلك المحال، ليس لديها الحرية في تغطية جسدها خلال ساعات العمل، أي أن حريتها تكون مقيدة خلال تلك الفترة. وحين يأتي الوقت الذي يفك القيد عن حريتها فإنها تعود لترتدي ثيابها من جديد، وتستر جسدها مرة أخرى.
إذن تعرية الجسد أو كشف أجزاء منه ليست معبرة عن الحرية والحضارة والتقدم بالضرورة، وتغطية الجسد ليست قيدا للحرية كما يصور البعض. وتجارة "الرقيق الأبيض" في عصرنا هذا دليل آخر - أكثر حداثة ووضوحا - على انه حين تقيد حرية المرأة فعليا، تكون أكثر عرضة للتعرية، وأول شي ينتهك هو حرمة جسدها وحقها في الحفاظ عليه.
هذا كله ليس المقصود به توجيه إهانة الى النساء اللاتي يرتدين ثيابا غربية، أو انه محاولة لوصفهن بأنهن رجعيات أو لسن أحرارا (كما فعل بعضهن مع المسلمات المحجبات). لكن المقصود، أن وصف المسلمات بأنهن رجعيات لأنهن يرتدين ثيابا مصدرها تعاليم دينهن الذي نزل قبل 1400 عام، هو وصف غير صحيح، وإذا استخدمنا ذات المقياس (المدة الزمنية) سيصبح الثياب الغربي أكثر تخلفا ورجعية لأنه يرجع بنا الى ملايين السنين الى الوراء.
وإذا كان مقياس تحرير المرأة هو مدى ما تعريه من جسدها، فان هذا المقياس هو أكثر خطئا، لان التعري كان سمة الجواري، والفتيات اللاتي تم استعبادهن كـ"رقيق ابيض" في عصرنا الحديث، إضافة الى بائعات الهوى اللاتي يعرضن في فترينات وأجسادهن متاحة للإيجار في مقابل المال.
الأفضل أن تكون النظرة المتبادلة أكثر احتراما لحقوق وحرية الآخر، فالمرأة المسلمة اختارت أن تلتزم بتعاليم دينها، وسيحدث هذا حتى لو مر على نزول الإسلام 1400 مليون سنة، وليس عدة قرون. والمرأة الغربية حرة وغير ملتزمة بتعاليم ديننا، لأنها من الأساس لم تؤمن به. والمبادئ والقيم وكذلك التعاليم الدينية لا يجب أن تقاس بالفترات الزمنية، لان من يقيس بهذه الطريقة يوجهه إهانة للأديان الأخرى، وليس الى الإسلام الذي يعد أحدثها، فمثلا، نحن لا نقبل أن يهان الدين المسيحي لأنه نزل قبل 2000 عام، واليهودية التي أتت من قبل اكثر من 3000 عام.
الجامعة الأميركية والنقاب
نشر الموقع الالكتروني لإذاعة "بي بي سي" البريطانية مؤخرا تعليقات حول الحكم الصادر ببطلان قرار الجامعة الأميركية بمنع المنقبات من الدخول الى الجامعة، وكانت وجهات النظر المعارضة تكرر تقريبا نفس الأسباب التي نسمعها دائما، وهي إمكانية استغلال البعض (من الرجال) للنقاب لاختراق امن الجامعة (المستهدفة)، النقاب يعيق التواصل ويقول "قف عندك ممنوع الاقتراب"، مظهر المنقبة يؤذي مشاعر الأساتذة وبعض الطلبة.
وهي جميعها حجج غير مقنعة (حسبما أراها). فبالنسبة لاختراق الأمن، نحن رأينا في بعض الأفلام العربية والأجنبية، رجال يستخدمون مساحيق التجميل والثياب القصيرة للتنكر، وكان معظمهم، من الصعب أن تفرقه عن النساء، فهل هذا يعني انه يجب أن يصدر قرار بمنع من ترتدي هذا الزى من الدخول الى الجامعة أو الى الأماكن التي تحتاج الى تامين؟
انه من السهل أن تطلب حارسة امن من المنقبة أن تكشف لها عن وجهها للتأكد من أنها امرأة وأنها طالبة بالجامعة أو بصحبة احدى الطلبات أو الطلبة (إذا كان مسموحا بدخول الزائرين) لكنه من الصعب جدا، أن تحاول التأكد مما إذا كان شعر المرأة حقيقيا أم هو باروكة أو أن ترفع الماكياج عن وجهها أو تتحرى جسدها للتأكد مما إذا كانت امرأة أم لا. أو بكلمات اخرى فإن المنقبة يمكن التأكد من كونها أنثى (خاصة وان غالبية المنقبات لا يضعن ماكياجا، خلال تواجدهن خارج المنزل) فيما يصعب الكشف أكثر عن حقيقة امرأة تضع مساحيق التجميل وترتدي باروكة وتغطي ساقها بشراب "فيليه".
وبالنسبة لمسالة أن النقاب يعيق التواصل، السؤال هنا: التواصل مع من؟ هل يعيق التواصل مع الأساتذة والزميلات؟ في هذه الحالة فان هذه الحجة غير واقعية، الهدف الأساسي من الجامعة هو تحصيل العلم، ولا بأس من إقامة علاقات إنسانية لا تتعارض مع معتقدات الإنسان ومبادئه، وهناك عدد غير قليل من الطالبات وأساتذة الجامعات منقبات ويستطعن توصيل وتحصيل العلم، ويقمن علاقات جيدة ويتواصلن مع زميلاتهن وأساتذتهن (حتى غير المحجبات) بصورة جيدة.
أما إذا كان المقصود هنا عدم التواصل مع الزملاء الشباب، وان النقاب "يقول قف عندك ممنوع الاقتراب"، اعتقد أن هذا هو ما تريده المنقبة تماما، فهي لا تريد فتح الباب للاختلاط، وهذا حقها. وهذا يعني بنفس المنطق وفي المقابل، أن من تريد أن ترتدي ثيابا غربية تقول "هيا اقترب، مرحبا بك"، هذا اختيارها، ولكن ليس من حقها أن تتحكم في اختيار الأخريات، أو أن تتصور أنها أكثر تحررا وتقدما منهن.
وبالنسبة لإيذاء المشاعر، فانه يرجع في حقيقة الأمر الى عدم قبول الآخر، فحسبما اعلم (ومن فضلكم صححوا لي إن أخطأت) لا توجد غريزة إنسانية طبيعية تكره الاحتشام، ولكن هناك غرائز إنسانية تتحرك وتثور وتؤثر على العقل والتركيز نتيجة ما تبديه المرأة من مفاتنها. فائيهما إذن الأكثر إضرار بالدراسة والهدف الذي من اجله أنشئت الجامعات؟
سؤال آخر لماذا منع الرئيس الأميركي جورج بوش الموظفات بالبيت الأبيض من ارتداء البنطلونات الجينز والملابس المثيرة خلال فترات العمل؟
أتذكر أنني سالت احد الطلبة في الجامعة الأميركية (وكان عمره حوالي 19 عاما) عن أكثر الأشياء التي تشعره بالإحباط، وكانت المفاجأة انه قال أنها "ثياب البنات المثيرة" وأشار الى أنها تجعله يفقد التركيز خلال المحاضرات.
ياسر خليل
باحث وصحافي مصري
yasserof2003@yahoo.com
2 تعليقات:
في 1:37 م , غير معرف يقول...
لمقاله ده جميلة جدا فيها فكرة جديدة للرد على الذين يتهمون الاسلام بالتخلف والرجعية وفيه رأي جديد اقتنعت به جدا
اروى حسن
في 1:42 م , Yasser Khalil يقول...
شكرا جزيلا يا استاذة اروي علي التعليق، ده واجبنا كلنا ان ندافع عن دينا ونجادل بالتي هي احسن كما امرنا الله عز وجل
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية