أهرامات الحكومة المصرية العجيبة
بقلم: ياسر خليل
الناشر موقع ميدل ايست اونلاين في يوم 5-2-2008 من فضلك اضغط هنا لمشاهدة المقال الاصلي
لماذا تقتصر عجائب الدنيا على الأنماط المعمارية؟! ولماذا لا يدرج المسئولين عن مسابقات العجائب الجديدة، منافسات لاختيار أعجب الأنظمة الاقتصادية في العالم؟ ففيها طرائف وغرائب تفوق نظيرتها المعمارية. وحينها أؤكد لهم، أنهم سيسلمون من سخرية المسئولين المصريين من تلك المسابقات، التي شكلت تهديدا لمكانة أهرامات الجيزة العريقة.
والسر في توقع عدم سخرية المسئولين المصريين، هو أنهم سيكونون واثقين من الفوز، لأنهم نجحوا بمهارة في بناء نظام اقتصادي يشبه الأهرامات في "عظمته"، بل ويتنافس معها غرابة في بناءه، الى حد يضفي على وجوههم الفخر والاعتزاز حين يتحدثون عنه.
ووجه التشابه بين أهرامات الجيزة التاريخية، وأهرامات الحكومة المصرية، أن كلاهما بني لراحة الحكام. فالأولى بناها الشعب المصري بعرقه ودمائه ليوفر مدفنا مريحا وفسيحا وفخما لملوكه، ليخلدوا فيه بعد موتهم. أما الأهرامات الجديدة، فقد بناها الحكام ليدفنوا تحت صخور أعبائها الثقيلة، مواطنيهم أحياء، ليستريحوا منهم ومن ضجيجهم.
وما يميز هذا النظام السحري الجديد، مقارنة بالأهرامات المتواضعة بجوار "عظمته"، هو انك حين تتحدث عن صعود الأهرامات، فانك تتكلم عن صعود حقيقي وملموس، يراه ويستشعره الجميع. ولكن في هذا النظام "البديع"، فان ما تراه صعودا يعني هبوط، وما تراه هبوطا فهو انحدار.
فعلي سبيل المثال، المؤشرات تشير الى صعود في معدلات نمو الاقتصاد المصري من 2% أو 3% خلال السنوات السابقة الى نحو 7,1% العام الماضي، والى ارتفاع المكتشف من الثروات الطبيعية، ومنها مثلا الغاز الذي تمتلك مصر منه ثالث اكبر احتياطي في العالم، بمخزون يتجاوز 70 تريليون متر مكعب. ولكن المؤشرات تشير كذلك الى هبوط مواز في المستوى المعيشي للمواطنين، وازدياد أعداد الفقراء.
وكذلك الأسعار ترتفع بجنون، وقيمة الأجور تهوي بذات السرعة. كان في الماضي ارتفاع الأسعار يفسر على انه مرتبط بتزايد سعر صرف الدولار الذي بلغ في بعض الأوقات قرابة 7 جنيهات مصرية (في السوق السوداء)، والآن يواصل الدولار انخفاضه الى أن بلغ سعر صرفه نحو 5,5 جنيه، ولازالت الأسعار تواصل ارتفاعها، وقيمة الجنيه تنخفض في المقابل.
ومن غرائب الأهرامات الاقتصادية لحكومتنا العجيبة، هو أن يصعد فجأة وفي عام واحد، 4 من رجال الأعمال المصريين الى قائمة اغنى أغنياء العرب (تضم 50 عضوا)، التي نشرها موقع "آرابيان بزنس" الالكتروني مؤخرا، وهم فايز ساروفيم (رقم 42)، وهشام طلعت (49)، واحمد عز (42)، ومحمد شفيق جبر (30)، وتزداد ثروة خامسهم (عضو القائمة القديم، ساويرس) "عائلة ساويرس" (10) بـ 2 مليار دولار.
ولا يمكن تبرير ذلك بان هناك انتعاشا اقتصاديا مذهلا الى هذا الحد في مصر. فهو لن يفوق مثلا ما حققته دولة مثل الإمارات، أضحت نموذجا عالميا في مجال الأعمال، ويتأثر أيضا اقتصادها بالعوائد الضخمة التي جنتها الدول المنتجة للبترول، بعد ارتفاع أسعار النفط في العالم، الى قرابة 91 دولارا، فيما كانت نحو 57 دولارا في نفس الفترة من العام الماضي. ورغم ذلك لم يصعد سوى رجل أعمال واحد فقط جديد من بين 10 أماراتي في ذات القائمة. والسعودية التي تعد اكبر منتج للنفط في العالم، وبالتالي اقتصادها هو إلا أكثر استفادة من ارتفاع أسعار النفط، لم يصعد سوى 2 من بين 10 أعضاء من مواطنيها، وكذلك الكويت التي انضم عضوان جديدان من بين 6 أعضاء لها في القائمة.
التبرير الوحيد المقبول، والذي يطمئن له القلب، هو أننا أمام معجزة اقتصادية جديدة، تضاهي معجزة الأهرامات (مع الاعتذار للأهرامات والفراعنة).
باحث وصحافي مصري
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية